السحر - الجن - بني إسرائيل - سيدنا سليمان - هاروت و ماروت

السحر - الجن - بني إسرائيل - سيدنا سليمان - هاروت و ماروت

﴿سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾

السحر أبعاده غائرة في الزمان، من اشتغل بالسحر كان هدفه استعباد البشر وسبق المعرفة بالغيب، السحر من القوى الخفية في الكون وكلمة السحر مأخوذة من السَّحَر الذي هو آخر الليل وأول النهار فيه من ظلمة الليل ومن ضوء النهار فهو ليس نهاراً ولا ليلاً.

والسحر جامع بين شيئين شيء يخيل إليك أنه واقع وهو ليس بواقع أي أن له ظاهراً لا يعبر عن واقعه. ظاهر أشياء تتخيل أنها تحدث وهي في الحقيقة لا تحدث. والسحر نوعان تخيل وحقيقة.

السحر التخيلي تأثيره على الحواس فالعين هي التي تُسحر لترى أشياء غير واقعة ولا حقيقية يقول الله عز وجل: "سحروا أعين الناس". وقال تعالى: "يُخيل إليه من سحرهم أنها تسعى".

وهناك سحر حقيقي قال تعالى: "واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم".

هناك نوعان من السحر نوع يعتمد على البشر وما يستطيعون القيام به من خفة اليد وخداع أعين الناس ونوع يعتمد على الاستعانة بقوى تفوق قدرات البشر، والغرض من السحر عموماً هو استرهاب الناس وخداعهم والسيطرة عليهم.

عندما ألقى سيدنا موسى عصاه فإذا هي تحولت لحية حقيقية ليس مجرد تخييل وخفة يد وخداع بصري لذا سجد السحرة على الفور لأنهم خبراء في السحر ويعرفون خدع خفة اليد، هم سحروا أعين الناس بتخييلهم أن حبالهم وعصيهم حيات تسعى ولكن أعين السحرة لم تُخدع لأنهم يعرفون الحيلة، لكن لما رأوا أن ما أتى به سيدنا موسى ليس سحراً ولا خداعاً بصرياً ولا تخييلاً ألقوا سجداً مؤمنين به نبياً وبربه إلهاً، لأنهم يعرفون الصنعة وما أتى به موسى ليس حيلة بل معجزة وليس تخييلاً وخداعاً بل واقعاً وحقيقة ومادة عصا موسى تحولت بالفعل إلى حية تسعى وهو ما لا يستطيع السحرة فعله.

وفرعون لم يؤمن لأن عينه مسحورة بفعل السحرة ولا يستطيع التفرقة بين حبال السحرة التي بدلوها بحيات بخفة أيديهم وحيلهم وبين عصا موسى التي تحولت حقيقة لحية تسعى، رغم أن حية سيدنا موسى الحقيقية التهمت حيات السحرة المزيفة.
فالسحر هو تخيل حقيقة وليس تغير حقيقة، بينما المعجزة هي تغير حقيقة.


والنوع الثاني من السحر الذي يُستعان فيه بالجن والشياطين، فللشياطين علاقة قوية بالسحر فقد ذكر لنا القرآن الكريم أن الشياطين علموا الناس السحر وماداموا علموا غيرهم أي أنهم محترفين في الصنعة وأتقنوها.

وذلك لأن الجن أجسام نارية شفافة خلقوا من النار ولهم قدرة على التشكل ويخترقون الجدران وسرعتهم تفوق البشر وتحكمهم الصورة التي يتشكلون بها، وإجماع أهل السنة والجماعة على أن البشر لا يمكنهم رؤية الجن على صورته الحقيقية.

حتى أن علماء أهل السُنة اعتبروا من يدعي أنه رأى الجن على صورته الحقيقية فاسق مردود الشهادة، يقول الإمام الشافعي: "وممن تُرد شهادته ولا تُسلم له عدالته من يزعم أنه يرى الجن عيانا ويدعي أن له منهم أعواناً".
وذلك لأن مادة الجن اللطيفة النارية الشفافة خارج نطاق رؤية البشر فلا يمكنهم مشاهدة الجن على خلقته الأصلية، لكن يمكن مشاهدته إذا تشكل في صورة أخرى تخضع لحدود البصر البشري كصورة كلب أو حمار أو إنسان مثلا.

ولما يتشكل الجن في صورة فإنهم يخضعون لقوانين تلك الصورة، فمثلاً إذا تشكل الجن في صورة إنسان فإنه لا يخترق الجدران ويموت بالرصاص ويمكن قتله والإمساك به فهو خاضع لقوانين الإنسان لذا لا يستطيع الجن البقاء على غير صورته الحقيقية فترة طويلة لأنه قد يهلك ويُقتل، وهذا من رحمة الله بنا فإذا كانت الجن لا تخضع للصورة التي تتشكل بها لفعلوا المصائب في الأرض دون قدرة عليهم.

لذلك يستعين السحرة بالجن لتملك قوى تفوق قدرات الإنسان العادي للتسلط على البشر والتحكم فيهم والاستخدام في الشر والضر وقد أخبرنا الله عز وجل أن السحر كفر والسحرة كفار.


الله خلق الإنس والجان وذكر في القرآن الكريم: شياطين الإنس والجان، إذاً هناك شياطين من الإنس وهناك شياطين من الجان .. فالإنس والجان الذين ءامنوا بالله هم الصالحين أما الإنس والجان الذين استعانوا ببعضهم على الكفر وعبادة إبليس وإفساد الأرض فهم الشياطين من الإنس والجان.

يرجع بنا التاريخ الى بابل (العراق) في كثرة السحر والسحرة حتى ضرب المثل في إتقان السحر بحكماء وكهنة وسحرة بابل، كما  أنهم جعلوا من الكواكب آلهة وعبدوها، ويعتقدون أن حوادث العالم كلها من أفعال النجوم والكواكب والطالع، وعملوا أصناماً على أسماء الكواكب وعبدوها وقدموا لها القرابين، وفي هذه الظروف جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ليدعوهم إلى الإسلام لله الواحد الأحد رب الكواكب.

وتواجد السحر أيضاً في زمان فرعون موسى بمصر، وتواجد بالحضارات القديمة في الهند وغيرها، ومن أكثر الأمم التي اشتغلت بالسحر بني اسرائيل.
وبني اسرائيل ادعوا أن سيدنا سليمان كان ساحراً وأنه كبير السحرة ونسبوا له خاتم سليمان وغيرها من الأكاذيب.

وذُكرت قصة سيدنا سليمان والسحر في سورة البقرة للرد على افتراءات بني اسرائيل وقد كان السحر موجوداً قبل عصر سيدنا سليمان، كما وضحنا في مصر حيث أن سيدنا موسى كان قبل سيدنا سليمان، وفي بابل حيث أن سيدنا ابراهيم كان قبل كليهما.

قال تعالى:
"وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ . وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ . وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ".


ذكَر الله تعالى لنبيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بعضَ مخازي اليهود من بني إسرائيل، الذين لم يؤمنوا به ولا بالقرءان الكريمِ المصدِّق للتوراة الأصلية التي أُنزلت على سيدنا موسى عليه السلامُ وتضمنتِ الدعوةَ إلى الإيمانِ باللهِ وحدَه لا شريكَ له والإيمانِ بموسى رسولاً ونبيًّا وبالإسلامِ دينًا والتوراة شريعة.


ويقص الله عز وجل علينا أن سيدنا سليمان عليه السلام كان له ملكاً عظيماً وكان يُسخر الإنس والجان في الخير وكانوا يعملون لديه بإذن الله وسيدنا سليمان كان نبي مرسل لبني إسرائيل منحه الله مُلكاً عظيماً ليستخدمه في نشر الخير وعمارة الأرض.

وكان من المخازي التي ارتكبها الكفارُ من بني إسرائيل أنَّهم في عهد سيدنا سليمان عليه السلام تركوا الزَّبور كتابَ الله واتَّبعوا ما ألقَت إليهم الشياطين من كُتب السّحر وتعاليمه.

فبعثَ سيدنا سليمان عليه السلام بعضَ جنوده وجمعَ تلك الكتبَ فجعلها في صندوق، ثم دفنها تحتَ كرسيّه، ولم يكن أحدٌ من الشياطين يستطيع أن يقتربَ من الكرسيّ وإلاّ احترقَ، وقال سليمان :"لا أسمعُ أحدًا يذكرُ أنَّ الشياطين يعلمونَ الغيبَ إلاّ ضربتُ عنقَه". وكان الشياطينُ مغتاظينَ من سيدنا سليمان عليه السلام لأنَّ اللهَ أعطاهُ سرًّا، فكانوا يطيعونه مع كفرهم، من غير أن يؤمنوا كانوا يخدمونه، ويعملون له أعمالاً شاقّة فقد أقدره الله عليهم وسخرهم له في الخير بقدرته.

ولما توفي سيدنا سليمان عليه السلام، وقلّ عدد العلماءِ الذين عرفوا ماذا فعل سليمانُ بكتبِ السّحر وأنّه دفنها تحت كرسيّه، ومضى جيلٌ وأتى غيرُه، تمثّل إبليسُ في صورة إنسان، ثمّ أتى جماعة من بني إسرائيل، فقال لهم: هل أدلّكم على كنْزٍ لا ينفدُ بالأخذ منه؟ قالوا: نعم، قال :"إنّ سليمان لم يكن نبيًّا إنما كان  ساحرًا، فاحفروا تحتَ كرسيّه"، فاعترض المؤمنون وغضبوا وقالوا :"بل كان سليمانُ نبيًّا مسلمًا مؤمنًا".

وعاد إبليس لتزيين الشرّ فوسوسَ للكفارِ من بني إسرائيل ممن صدقوا كلامَه وذهب معهم وأراهم المكانَ ووقف جانبًا، فقالوا له: "اقتربْ يا هذا"، فقال: "لا، ولكنني ها هنا بين أيديكم، فإن لم تجدوا الصندوق فاقتلوني"، -لم يقترب إبليس حتى لا يحرقه الكرسي-  و حفر الناس فوجدوا الصندوق وأخرجوا تلك الكتب. فلما أخرجوها قال إبليس اللعين :"إن سليمان إنما كان يضبط الإنس والشياطين والطيرَ بهذا السحر"، فقال الكفار :"لقد كان سليمان ساحرًا، هذا سِحرهُ، به كان يأمرنا وبه يقهرنا".

ثم طار إبليس، وفشَا بين الناس أن سليمان كان ساحرًا والعياذ بالله وكذلك صاحبُه ءاصفُ بنُ برْخيا الذي جلب له عرش بلقيس بكرامةٍ أكرمه الله بها.

وأخذ كفارُ بني إسرائيل يعملون بما في تلك الكتب، والحقُّ أن السحرَ ليس من عمل الأنبياءِ ولا عباد الله الصالحين، والسحر كفر وما كفَر سليمان عليه السلام لأنّه نبيٌّ من عند الله معصوم منزّه عن الكبائر وصغائرِ الخِسَّة وعن كل القبائحِ والرذائل فضلاً عن أنّه منزّه عن الكفر.

لما كثُر السحرةُ الذين تتلمذوا على أيدي الشياطين ادَّعوا النبوةَ وتحدّوا الناس بالسحر فاعتقد الناس أن السحر معجزة، وانتشر السحر لدرجة عدم التفريق بينه وبين المعجزة الحقيقية، فأنزل الله ملَكين من ملائكته الكرام وهما هاروت وماروتُ ليعلّما الناسَ ما هو السحرُ فيتمكنوا من تمييز السحر الذي هو تخييل وخداع من المعجزة التي هي تغير حقيقي، حتى يتبين كذبُ السحرةِ في دعواهم النبوة، ولكي لا يلتبس الأمر على الناس، فإنّ السحرَ يعارَض بسحرٍ أقوى منه فقد يبطل السحر ساحر آخر، لكن لا يحدث ذلك مع المعجزة.

كأن تعلِّم الناس مثلاً السرقة هي كذا فيفهم الناس ما هي السرقة فيجتنبوها، هكذا أرسل الله الملكين ليعلما الناس ما هو السحر حتى يجتنبوه. علمت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لم يعلم الشر من الناس وقع فيه.

وفي السحر التمويه والتخييل على الناس، وخُدع وشعوذات، كما بينا ومن جهةٍ أخرى هو نوعٌ من خدمة الشياطين للسحرة لأن الشياطين أجسام لطيفة لا يراها الناس، ولتخدم الجان الساحر يقوم الساحر بوضع تركيبةٍ من موادَّ معينةٍ يعرفها الكهنة تُجمع وتُحرق ويتخذُ منها رماد وحِبرٌ ويُقرأ عليها طلاسم وتعاويذ وأسماء وتكون هذه الكلمات كفرية وفيها تدنيس للدين والعياذ بالله، وقد يقرأ الساحر القرآن في موضع إهانة أو بعكس حروفه امتهاناً له لترضى عنه الجان بكفره، ويقدم القرابين إلى الجان لترضى مردة الجان الكفار بكفر الساحر، لذلك يطلب الساحر حيوانات يذبحها للجان دون ذكر اسم الله عليها بل يذكر اسم الجان عبادة لهم وكفراً بالله فيخدمونه، لذلك الساحر لابد أن يكون كافراً، والسحر كفر.

وأما المعجزةُ فهي أمرٌ خارق للعادة لا يعارض بالمِثْل، يظهر على يدِ النبي بقدرة الله وإرادته ويكونُ مقرونًا بالتحدّي لبقية الناس.


علينا أن نأخذ حذرنا الشديد فقد قرن الله السحر بالكفر وهو حكم شرعي لكل من عمل بالسحر فالسحر كفر ولابد أن يكفر الساحر لتطيعه الجن، وحاشا لله أن يكون سيدنا سليمان ساحراً بل كان نبياً مكرماً آتاه الله مُلكاً عظيماً بفضله وقدرته لا يؤتيه أحداً غيره من العالمين إنس كان أو جان.

والسحر لا يأتي إلا بالشر، لأن الذين يعلمون السحر هم شياطين الإنس والجان وللتعلم منهم وتسخيرهم لابد من الكفر.

أنزلَ الله الملَكان هاروت وماروت ليظهرا للناسِ الفرقَ بين السحر المطلوب تجنُّبه، وبين المعجزةِ التي هي دليلُ نبوّة الأنبياء عليهمُ السلام، فكانا يعلّمان تعليمَ إنذارٍ وتحذير لا تعليمَ حث وتشجيع، كأنهما يقولان: السحر كذا فلا تفعله، كما لو سأل سائل عن صفة الزنا أو القتل فأُخبر بصفته ليجتنبه، أو يقولان: فلا تكفر، أي فلا تتعلم السحرَ فتكفُرَ.

لكن رغم ذلك مارس الكفار من الناس السحر الذي حذرتهم منه الملائكة، كأن تحذر شخصاً من الزنا ويزني رغم تحذيرك.

وهاروت وماروت ملَكان كريمان من ملائكةِ اللهِ الذين لا يعصون اللهَ ما أمرهم ويفعلونَ ما يؤمرون، فلا صحَّة أبدًا للاسرائيليات التي تقول إن هاروتَ وماروتَ ملكان التقيا بامرأة جميلة، فهذا الكلام من الاسرائيليات ومخالف للقرءان الكريم.

هل الجن يعلمون الغيب ؟؟
لما توفي سيدنا سليمان توفي على عصاه فظل واقفاً لا يتحرك فكانت الجن لازالت تشتغل لديه ولا تعلم أنه توفي، وكانوا يخافونه جداً لدرجة أنهم لم يحاولوا الاقتراب منه للتأكد هل هو حي أم ميت، حيث أن أجساد الأنبياء لا تَبلى بعد الموت، وجاءت دابة الأرض تأكل عصا سيدنا سليمان التي كان يرتكز عليها فخر واقعاً على الأرض فقالت الجن: لو كنا نعلم الغيب ما لبثنا في العذاب المهين وهذا مذكور في القرآن يقول تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ).


وقد كانتِ الشياطين قبل بعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تصعدُ إلى الفضاءِ فتصلُ إلى الغمام والسحابِ حيثُ يسترقونَ السمعَ من كلامِ الملائكةِ الذين يتحدَّثونَ ببعض ما سيكونُ بإذن الله في الأرضِ من موتٍ أو أمر أو مصائب، فيأتون الكهنَة الكفار ويُخبروهم بما سمعوا، فتُحدّثُ الكهنةُ الناسَ فيجدونه كما قالوا، وادعت الكهنة معرفة الغيب، فلما ركنَت الناس إلى الكهنة، أدخلوا الكذبَ على أخبارهم فزادوا مع كل كلمةٍ سبعين كلمة، وكتبَ الناسُ ذلك الكلام في الكتب، وفشا في بني إسرائيل أنَّ الجنَّ والكهنة يعلمون الغيبَ.

إذاً الجن لا يعلمون كل الغيب بل هم يسترقون السمع وينقلون الأخبار لسرعة حركتهم ولطافة مادتهم النارية ويخيلون على الناس بقدرتهم على التشكل فقد يخيل الجن المرأة لزوجها في صورة قبيحة مخالفة للحقيقة للتفريق بين الزوجين فهم يخدعون أبصار الناس فقط، لغرض الضرر والإفساد وقال تعالى: "وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله" فليس للسحرة والجان السيطرة المطلقة بل هناك أذكار ورقى شرعية تمنع السحر وتزيل أثره وتحمي المسلم وتحفظه، وبعض السحرة يستخدمون السحر لإبطال السحر بتسخير الجان أيضاً وهذا يكون باستخدام الطلاسم والتعاويذ وإرضاء الجان بالكفر أيضاً وهو محرم مثله مثل السحر وإتيان العرافين والسحرة خطر عظيم ولو كانوا في زي الشيوخ، والواجب على المسلم الالتزام بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في التداوي بالسنة النبوية وأدعية الصالحين العربية الواضحة الألفاظ.

أقام اليهود علمًا بالسحر أسموه الكابالا أو القبالاة، وهو تفسير التوراة، والقابالاة كلمة آرامية من الأصل قبل ومعناه القبول أو تلقي الرواية الشفوية، وأصبح هناك طائفة معينة متميزة تسمى القبالة وأخذت على عاتقها تفسير التوراة ممزوجة بالسحر والشعوذة حتى أنهم أضافوا مزمارًا في سفر الزبور خاصا بالسحر، ووضعوا كتبًا وشروحات تشتغل بالسحر والشعوذة ومن كتبهم هذه كتاب اسمه "الزوهار" وهي ايضًا لفظة آرامية تعني النور والضياء ومنها لفظ المتنورين أو الايلوميناتي.

واليهود كي ينفردوا بالسحر وعلومه بدأوا بإضافة كثير من الرموز والأشكال والأرقام لعقيدتهم وجعلها أساس تفسيرهم للتوراة ومحل إحتكار، من هذه الرموز النجمة السداسية والتي أطلقوا عليها نجمة داوود وكما سموها خاتم سليمان وتسمى   بالعبرية ماجين دافيد وتعني درع داوود، وهذا الرمز إستعملته أقوام قبل اليهودية للدلالة على آلهتهم منهم الهندوس والفراعنة.


وأما اليهود فقد حاولوا أن يعللوا استعمال هذا الرمز بقولهم أنه يدل على الأسباط الإثنى عشر، حيث أن كل زاوية تمثل سبطًا.

ومن الملاحظ أن شغفهم بالسحر تزايد بعد موت سيدنا سليمان واعتبروا سيدنا سليمان ساحرًا ولم يعترفوا به كنبّي مرسل، بل اتهموه بالسحر وأنه من كبار السحرة وهكذا سخر الجن والطير يعملون تحت إمرته وسلطانه وهذا خطأ وإثم كبير وواحدة من جرائم بني إسرائيل، لذلك هم يستعينون بالجان ويمارسون السحر لإفساد البشرية ونشر الشر ويسعون لبناء هيكل سليمان حتى يستعيدوا العصر الذهبي لليهود والهيكل في الواقع ما هو إلا المسجد الأقصى الذي بناه سيدنا آدم من قبل سيدنا سليمان بقرون عديدة وتم تجديده فقط على مر الزمان، ولكن الجن يخدعون من تبعهم من بني آدم لإفشال مهمتهم في عمارة الأرض وليكون ابليس وشياطين الجن والإنس سواء في عذاب جهنم، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.


المصادر:
كتاب "السحر والحسد" للشيخ محمد متولي الشعراوي.
تفسير ابن كثير" للقرآن الكريم.
كتاب "عقيدتنا" للدكتور محمد ربيع الجوهري.

مشاركة من المدونة الصديقة - ثورات وحقائق 

وأقرأ 


المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: