الحرية وتداول السلطة واحترام الدستور وانتشار العدالة هي حائط الصد الحقيقي وليست القوانين التي لا تحترم خصوصية الإنسان - محمد عنان |
لجنة الدفاع عن الحريات
أ.د. محمد نور فرحات
الورقة المقدمة للمؤتمر العلمي الأول للحريات الذى عقد تحت عنوان " الطوارئ وأزمة الحريات العامة في مصر " من رئيس المؤتمر الفقيه والعالم القانوني الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدستوري
مقدمة :
قانون الطوارئ هو التشريع الذى يجيز إعلان حالة الطوارئ في الدولة وينظمها إذا قامت ظروف استثنائية تبرر ذلك من قبيل الحروب والكوارث العامة والأخطار الاستثنائية التي لا تستطيع الدولة مواجهتها بمجرد الاستناد إلى القوانين العادية .
وحالة الطوارئ هى تلك الحالة الاستثنائية التى تتعرض فيها الدولة لظروف استثنائية تبرر ضرورة تسلح السلطة التنفيذية بسلطات استثنائية لمواجهة ماتمثله من أخطار . ويتبع التفرقة بين قانون الطوارئ وحالة الطوارئ أن قانون الطوارئ قانون دائم من قوانين الدولة يبين شروط توفر حالة الطوارئ وإجراءات إعلانها والسلطات التى تخولها هذه الحالة إذا ما أعلنت. أما حالة الطوارئ فهى ظرف فعلى يتمثل فى أحداث استثنائية تبرر اتخاذ إجراءات استثنائية . وتنص المادة 148 من الدستور على "أن يعلن رئيس الجمهورية حاة الطوارئ لمدة محدودة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب" .
وقد اختلفت النظم القانونية فى كيفية مواجهتها للظروف الطارئة التى تستتبع تسلح السلطة التنفيذية بسلطات خاصة . فمنها ما يخلو من وجود قانون للطوارئ ويجعل من البرلمان قيما على منح سلطات محددة للسلطة التنفيذية لمواجهة كل حالة استثنائية على حدة إذا قامت دواعيها . ومنها ما يفرد قانونا للطوارئ يبين إجراءات وآثار إعلان حالة الطوارئ .
كما تختلف التشريعات فى مقدار السلطات الاستثنائية التى تمنح للسلطة التنفيذية إذا ما أعلنت حالة الطوارئ . وتذهب التشريعات فى الدول الليبرالية إلى عدم المساس بسلطات القضاء الطبيعى إذا أعلنت حالة الطوارئ . فيظل القضاء رقيبا على استخدام جهة الإدارة لسلطاتها فى حالة الطوارئ .
على أن ثمة مجتمعات أخرى تعيش في حالة طوارئ دائمة ( نماذج مصر وليبيا وسوريا والعراق والسودان ) . فتعصف تشريعاتها إذا ما أعلنت حالة الطوارئ بضمانات الحريات العامة والشخصية المنصوص عليها فى الدستور ، وتطلق يد السلطة التنفيذية فيصبح تحقيق الأمن والنظام مكفولا للحاكم العسكرى بدلا من السلطات المدنية وتصبح له سلطة التشريع بإصدار ما يسمى بالأوامر العسكرية أو أوامر الطوارئ التى تفرض على مخالفتها عقوبات تصل إلى الأشغال الشاقة، وتقيم قوانين الطوارئ أنواعا من قضاء الطوارئ يقتقر إلى ضمانات الحيدة والاستقلال ، وتتوسع فى اختصاص القضاء العسكرى فى زمن الطوارئ وتفرض قيودا بالغة القسوة على حرية الرأى والتعبير .و تلجأ تشريعات أخرى إلى تحويل حالة الطوارئ إلى حالة دائمة بنص القانون دون حاجة إلى إعلانها .
فى مثل هذه الحالة الأخيرة يتوقف الحديث عن حالة الطوارئ باعتبارها حالة ( مؤقتة ) تشرع لفرض هيمنة السلطة التنفيذية على السلطات الأخرى لتصبح حالة عامة. فالأمر إذن في هذه المجتمعات ليس مجرد أمر الطوارئ ومبرراتها وضماناتها أو ابقائها أو إلغائها بل أمر الحقوق والحريات العامة على إطلاقها .
الضوابط الدولية
وضعت المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ضوابط إعلان حالة الطوارئ بما تمثله من انتهاك لحقوق الإنسان بنصها على ما يلى " 1- في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تتهدد حياة الأمة والمعلن قيامها رسميا يجوز للدول الأطراف في هذا العهد أن تتخذ فى أضيق الحدود التى يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الأخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الأصل الاجتماعي " . ثم عددت الفقرة الثانية من المادة عددا من الحقوق التى لا يمكن للدولة أن تنتهكها حتى لو أعلنت حالة الطوارئ أهمها الحق فى الحياة والحق فى سلامة الجسد من التعذيب والحق فى المحاكمة العادلة ومبدأ شرعية الجرائم والعقوبات وحرية الفكر والوجدان والدين . فها التزم إعلان حالة الطوارئ فى التاريخ المصرى بهذه الضوابط ؟
النشأة التاريخية (الأحكام العرفية وحماية مصالح البريطانية ) :يمكننا القول أن نظام الطوارئ قد ساد أغلب فترات تاريخ مصر الحديث ،منذ أدخله الإنجليز إلى مصر مع الاحتلال تحت مسمى الأحكام العرفية . ومن المعروف أن العناصر الليبرالية فى القانون المصرى تجد مصدرها فى الخبرة الفرنسية أما العناصر الإستبدادية فتنحدر من الخبرة البريطانية وقبلها بطبيعة الحال خبرة الممارسات العثمانية فى مصر .
كان المشروع الليبرالي المصري الذى نجح آباء الليبرالية في مصر المتأثرين بالنموذج الفرنسي فى إرسائه بإنشاء المحاكم الأهلية ، يقلق سلطات الاحتلال البريطاني أشد القلق لأنه استوحى النموذج الفرنسى أولا وفوق ذلك لأنه بوفر ضمانات للمتقاضين المصريين ويسمح للقضاة المصريين المستقلين بالتعبير عن مشاعرهم الوطنية ضد قوات الاحتلال . وقد عبر عن ذلك اللورد كرومر بقوله " "إن حماية الضعيف من القوى ليست هى الوظيفة الوحيدة للعدالة . إن المحاكم يجب أن تكون قادرة أيضا على حماية المجتمع ضد الأشرار .ومن المؤكد أن هذه الحماية أصبحت فى السنوات الأخيرة غير كافية فى مصر . من السهل أن نشير إلى السبب الرئيسي لهذه الحال .من ناحية تؤكد مبادئ المدنية على مبدأ رئيسي أنه لا يعاقب أحد على جرم ما لم يثبت بوضوح أنه ارتكبه . ومن ناحية أخرى فإن الظروف الخاصة فى المجتمع المصرى تجعل الأمر غالبا فى غاية الصعوبة للحصول على دليل الإدانة كاف لإسناد التهمة "
ومن هنا فقد وجد البريطانيون ضالتهم لتجاوز النظام القضائى الليبرالى والالتفاف عليه فى اللجوء إلى المحاكم الاستثنائية وفى التشريع للأحكام العرفية . واستنادا إلي الخبرة البريطانية في الهند أنشأ البريطانيون ما يعرف بمحاكم الأخطاط وهى محاكم تتشكل من الأعيان ورجال الإدارة ولا تتقيد بضوابط المحاكمات التى توجد فى القوانين العادية . وركزت هذه المحاكم عموما ، علي المسائل الجنائية بنظر ل القضايا الصغيرة وإصدار أحكام غير قابلة للطعن .وفي سنة 1912 تم إنشاء مائتين من محاكم الأخطاط التي تستخدم إجراءات مبسطة وقضاة غير محترفين ( عادة ما يؤخذون من طبقات الأعيان الريفيين ) .
وتحرك البريطانيون مرة ثانية ليتحاشوا المحاكم الأهلية فى الأحوال التى يقدرون حساسيتها المفرطة . صدق ذلك على وجه الخصوص بالنسبة للجرائم التى تشمل القوات العسكرية البريطانية فى مصر . فقبل انقضاء أربعة سنوات على وصول القوات البريطانية إلى مصر ، اشتكى القنصل العام البريطانى من " التأخر الذى يحدث بانتظام فى المحاكم الوطنية فى تعاملها مع القضايا التى يتهم فيها الوطنيون بجرائم ضد الجنود البريطانيين " . والنتيجة كانت إنشاء محاكم خاصة لنظر مثل هذه الجرائم . أكثر هذه المحاكم شهرة حكمت على العديد من أهالى قرية دنشواى بالشنق وعلى عديد آخرين بالجلد بعد أن تصادموا مع فصائل بريطانية كانت تصطاد الحمام سنة 1906 . صرح اللورد كرومر مباشرة وعلانية فى هذا الوقت أن إجراءات استثنائية كانت ضرورية لأن الاعتماد على المؤسسات المعتادة للعدالة كان أحيانا غير كاف فى بلد تعودت فى نظره على حكومة غير قانونية ومستبدة . أكثر من ذلك ، لم يكن المحامون المصريون فحسب هم موضع ارتياب البريطانيين . كان القضاة المصريين بصفة عامة كثيرا ما يتهمون بواسطة سلطات الاحتلال بالتعاطف مع المشاعر الوطنية .. فى سنة 1912 بعدما حكمت محكمة مصرية ببراءة المتهمين بالهجوم على مهندس فرنسى ،كتب لورد كتشنر يقول: " يتفق كل ثقات القانون على أن القضية ثابتة تماما وعلى نحو مرضى ضد الرجلين المتهمين .
فأحدهما حوكم مرتين لشروعه فى القتل فى السنوات الأربع الأخيرة. إلا أن كليهما أطلق سراحه بواسطة القضاة المصريين .وهؤلاء القضاة معروفون بأنهم وطنيون . ومن الطبيعى أن نعتبر أن العرق والمشاعر الدينية وحدها هى التى بوسعها أن يكون لها حساب فى استخلاصا تهم " .
ومن مظاهر عدم ثقة الإنجليز بقضاء مصر الوطنى مبادرتهم إلى دفع حكومة نوبار نحو إنشاء ما يعرف بلجان الأشقياء . والنتيجة أن أمور الجريمة والعدالة وضعت مرة ثانية في أيدي رجال الإدارة ، وتوارت إلي حيز النسيان كل التصورات حول استقلال القضاء بل وحتى حول منع التعذيب .
ولم تكتف سلطات الاحتلال البريطانى بالاعتداء على استقلال القضاء المصرى عن طريق تشجيع إنشاء المحاكم الإستثنائية بل أدخلوا إلى مصر لأول مرة فى تاريخها نظام الطوارئ أو ما كان يعرف وقتها باسم الأحكام العرفية .
أعلنت بريطانيا الأحكام العرفية فى مصر وعينت حاكما عسكريا بسلطة طوارئ فى 2 نوفمبر عام 1914 خلال الحرب العالمية الأولى بعدما انضمت تركيا فى الحرب العالمية الأولى إلى ألمانيا . وفى ظل تطبيق هذه الأحكام أعلنت الحماية البريطانية لمصر فى 18 ديسمبر سنة 1914 .
نظام الطوارئ فى الدساتير المصرية :
وقد تتابع بعد ذلك النص على حالة الطوارئ فى الدساتير المصرية . فنصت المادة 45 من دستور سنة 1923 على أن " الملك يعلن الأحكام العرفية ويجب أن يعرض إعلان الأحكام العرفية فورا على البرلمان ليقرر استمرارها أو إلغاءها ، فإذا وقع هذا الإعلان فى غير دور الانعقاد وجب دعوة البرلمان للاجتماع على وجه السرعة "
وأطلق دستور 1956 لأول مرة على الأحكام العرفية وصف حالة الطوارئ فنصت مادته 144 على أن " يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين بالقانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الأمة خلال الخمسة عشر يوما التالية له ليقرر ما يراه فى شأنه فإن كان مجلس الأمة منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له " .
ونصت المادة 126 من دستور سنة 1964 على " أن يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الأمة خلال الثلاثين يوما التالية له ليقرر ما يراه بشأنه فإن كان مجلس الأمة منحلا عرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له .
ثم نص الدستور الحالى الصادر سنة 1971 فى مادته رقم 148 على " يعلن رئيس الجمهورية حالة الطوارئ على الوجه المبين فى القانون ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له . وفى جميع الأحوال يكون إعلان حالة الطوارئ لمدة محددة ولا يجوز مدها إلا بموافقة مجلس الشعب "
التشريعات المنظمة للطوارئ :
ونفاذا لهذه النصوص الدستورية تتابعت القوانين المنظمة لإعلان حالة الطوارئ فى مصر . فأول قانون مصرى فى هذا الصدد هو القانون رقم 15 لسنة 1923 وهو لايختلف كثيرا فى أحكامه عن النظام العرفى الذى وضعته سلطات الاحتلال البريطانى سنة 1914 . ونصت المادة الأولى من هذا القانون على " جواز إعلان الأحكام العرفية كلما تعرض الأمن أو النظام العام فى الأراضى المصرية أو فى جهة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب إغارة قوات العدو المسلحة أو بسبب وقوع اضطرابات داخلية أو تأمين الجيوش المصرية وضمان تموينها وحماية طرق مواصتها وغير ذلك مما يتعلق بحركتها وأعمالها خارج المملكة المصرية "
ثم صدر القانون رقم 533 لسنة 1954 والذى لا يختلف عن القانون السابق كثيرا وإن لم يعمل به حيث لم تعلن حالة الطوارئ خلال فترة نفاذه .
وحل محل هذا القانون الأخير القانون رقم 162 لسنة 1958 الذى ما يزال نافذا حتى اليوم . وطبقا للمادة الأولى من القانون يجوز إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن العام أو النظام العام فى أراضى الجمهورية أو فى منطقة منها للخطر سواء أكان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات فى الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء . ونصت المادة الثانية على أن إعلان حالة الطوارئ وإنهائها يكون بقرار جمهورى على أن يتضمن القرار المعلن لها بيان الحالة التى أعلنت بسببها وأن يحدد المنطقة التى تشملها وتاريخ بدء سريانها , ويجب عرض إعلان حالة الطوارئ على مجلس الشعب خلال الخمسة عشر يوما التالية ليقرر ما يراه بشأنه ، وإذا كان مجلس الشعب منحلا يعرض الأمر على المجلس الجديد فى أول اجتماع له . وإذا لم يعرض القرار على مجلس الشعب فى الميعاد المشار إليه أو عرض ولم يقره المجلس اعتبرت حالة الطوارئ منتهية . ولا يجوز مد المدة التى يحددها قرار إعلان حالة الطوارئ إلا بموافقة مجلس الشعب .
وتعتبر حالة الطوارئ منتهية من تلقاء نفسها إذا لم تتم الموافقة قبل نهاية المدة . وحددت المادة الثالثة اختصاصات رئيس الجمهورية بمناسبة حالة الطوارئ المعلنة . ومنها وضع قيود على حرية الأشخاص فى الاجتماع والانتقال والاقامة والمرور والقبض على المشتبه فيهم أو الخطرين على الأمن واعتقالهم والترخيص فى تفتيش الأشخاص والأماكن دون تقيد بأحكام قانون الإجراءات الجنائية . وله أيضا الأمر بمراقبة الرسائل والصحف والنشرات والمطبوعات وكافة وسائل التعبير والدعاية قبل نشرها وتعطيلها ومصادرتها وإغلاق أماكن طباعتها . وله تحديد مواعيد فتح المحلات العامة وإغلاقها والأمر بإغلاق هذه المحلات . وله تكليف أى شخص بتأدية أى عمل والاستيلاء على أى منقول أو عقار وسحب التراخيص بالأسلحة والذخائر وإخلاء بعض المناطق أو عزلها وتنظيم وسائل النقل . ويجوز بقرار من رئيس الجمهورية توسيع دائرة الحقوق المبينة على أن يعرض هذا القرار على مجلس الشعب . وحددت المادة الثالثة المعدلة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 ثم بالقانون رقم 164 لسنة 1981 والقانون رقم 50 لسنة 1982 ضمانات للمعتقل أو المقبوض عليه مثل حق الاتصال بمن يرى إبلاغه والاستعانة بحام والتظلم من أمر الاعتقال أو القبض وإجراءات هذا التظلم .
إعلانات حالة الطوارئ:
كانت المرة الأولى التي أعلنت فيها الأحكام العرفية بعد الاستقلال في أول سبتمبر سنة 1939 بعد نشوب الحرب العالمية الثانية بمقتضى القانون رقم 15 لسنة 1923 واتهاء الحرب انهيت الأحكام العرفية في أكتوبر سنة 1945 .
ثم أعلنت الأحكام العرفية ثانية فى مايو سنة 1943 بعد دخول الجيش المصرى فى حرب فلسطين ثم رفعت فى إبريل سنة 1950 فيما عدا محافظتى سيناء والبحر الأحمر .
وبعد أحداث حريق القاهرة أعلنت الأحكام العرفية فى 26 يناير سنة 1952 واستمرت أربع سنوات حيث قامت ثورة يوليو والأحكام العرفية معلنة ثم رفعت فى يونيو سنة 1956 .
وأعيدت الأحكام العرفية فى نوفمبر سنة 1956 إثر العدوان الثلاثى على مصر وأنهى العمل بها فى مارس 1964 أى بعد قرابة ثمانية سنوات .
وبعد حرب يونيو 1967 أعلنت حالة الطوارئ واستمرت ثلاثة عشر عاما حيث أنهيت فى 15 مايو سنة 1980 .
وإثر اغتيال الرئيس السادات أعيدت حالة الطوارئ فى السادس من أكتوبر سنة 1981 واستمرت تتجدد سنويا حتى إبريل 1988 ثم أصبحت بعد ذلك تتجدد لمدة ثلاث سنوات فجددت حتى عام 1991 ثم حتى عام 1994 ثم إلى سنة 1997 ثم حتى عام 200 ثم إلى سنة 2003 وتنهى حالة الطوارئ الحالية سنة 2006 مالم تتجدد لمدد أخرى .
والملاحظ عند استعراض أسباب إعلان حالة الطوارئ أنها حتى سنة 1952 لم تكن تعلن إلا بسبب دخول مصر فى حرب مع دولة أجنبية فيما عدا إعلانها إثر اندلاع حريق القاهرة سنة 1952 . إلا أنها منذ الثمانينات أعلنت واستمرت معلنة لأسباب تعزى إلى اعتبارات الأمن الداخلى وحدها .
ومنذ أعلنت الأحكام العرفية لأول مرة فى مصر سنة 1939 أعلنت حالة الطوارئ ست مرات وبلغت مدة تطبيقها قرابة الخمس وخمسين عاما ولم ترفع حالة الطوارئ من مصر خلال هذه الفترة إلا حوالى ثمان سنوات أو يزيد قليلا . أما فى المرة الأخيرة عندما أعلنت الطوارئ فى أكتوبر 1981 فقد استمرت ومازالت مطبقة لمدة تصل إلى أربع وعشرين عاما .
خاتمة :
وخلاصة التاريخ السياسي والقانوني لمصر منذ مطلع القرن العشرين أنه تاريخ للطوارئ تتحرر فيه السلطة التنفيذية من كل ضمانات دستورية تتعلق بالحقوق والحريات العامة وتتغول على اختصاصات كل من السلطتين التشريعية والتنفيذية على حد سواء الأمر الذى يصبح معه الحديث عن ضمانات الحقوق والحريات والفصل بين السلطات واستقلال السلطة القضائية وضمانات المحاكمة العادلة من قبيل الصياغات الفقهية التي تهددها سلطات الطوارئ المفرطة.
إن التقييم المنصف لحالة الطوارئ في تاريخ مصر الحديث يثبت أنها على ما اقترفته من اغتيال حقوق وحريات الأفراد لم تنجح في تحقيق الغرض منها وهى كفالة الأمن والاستقرار . فقد حدثت كثير من الاغتيالات السياسية الكبرى في زمن الاحتلال البريطاني لمصر والأحكام العرفية معلنة . واشتعلت حروب الفدائيين ضد قوات الاحتلال فى ظل الأحكام العرفية . بل وقام ثوار يوليو بانقلابهم وأطاحوا بالنظام بأكمله فى ظل الأحكام العرفية . وفى عهد الثورة لم تنجح حالة الطوارئ من منع محاولات اغتيال عبد الناصر التى كان أشهرها حادث المنشية ولم تمنع من حدوث مؤامرات متعددة لقلب نظام الحكم فى عهده تم اجهاضها جميعا بفضل التفاف الشعب حول قيادته.
وعانت مصر فى الثمانينات من حوادث الإرهاب والعنف المسلح فى ظل إعلان حالة الطوارئ . ولم تنجح مصر فى الحد من وحشية الإرهاب وتقليم مخالبه إلا بفضل جهود المثقفين الوطنيين وكافة القوى الاجتماعية التى أعلنت رفضها له ووقوفها فى مواجهته .فهل ثمة مبرر إذن للاستمرار فى إعلان حالة الطوارئ مع وجود نصوص فى تشريع الإجراءات الجنائية وفى قانون العقوبات تمكن من مواجهة خطر الارهاب بفعالية ؟
0 Comments: