فعلاً.. نحن الذين ننعم بالحرية

د/لميس جابر

قرأت عنوانا صحفيا: «رياح الربيع العربى تهب على لندن» وعنوانا آخر: «هل تستوعب بريطانيا دروس الربيع العربى؟» وآخر: «شعارات ميدان التحرير فى قلب تل أبيب»!! وأخيراً: «أمريكا خايفة جداً من انتقال عدوى الاضطرابات».
أربعة عناوين تحتاج لكثير من التساؤلات عن فكر الصحافة عندنا ومعرفتها بالفروق الرهيبة بين نظام الحكم فى أمريكا ونظم الحكم فى أوروبا والدول المتقدمة وفى «إسرائيل»، وبين العالم العربى وربيعه الذى ينتشر ويتوغل ليعم ويشمل.. لم يلتفت أحد إلى أن الربيع لا يعم إلا فوق رأس الدول ذات الحكم العسكرى والشمولى والفردى، والديكتاتورى والذى يعيش بلا برلمانات ولا دساتير، ولا انتخابات نزيهة، والذى لا تعرفه الصحافة عندنا أنه لا يمكن أن تسير مظاهرة ولو حتى مليونية وتقول «ارحل» أو «يسقط» لأن القانون لديهم والدساتير تقول إن من يسقط الحكومة هو المجلس النيابى أى البرلمان أى نواب الشعب.. والذى لم يلاحظه أحد أن الحرية أيضاً تختلف اختلافاً كلياً عندنا وعندهم.. لأننا نحن الذين ننعم بالحرية فعلاً.
هؤلاء الإنجليز هم أصحاب أول دستور فى العالم وقد وضع عام 1215 والذين صمموا عليه وانتزعوه انتزاعاً كانوا فئة من البارونات أى الأغنياء والنبلاء، وأطلقوا عليه اسم «الماجنا كارتا» أى العهد الأعظم.. لذلك وبعد مرور 800 سنة نجد أن الإنجليز يحتفظون بالملكية كنوع من التاريخ والتراث والشكل العام، وهم كشعب يحبون العائلة المالكة وأفرادها لأنهم يزينون رأس الدولة دون سلطة أو تأثير سوى فى المناسبات والتشريفات ونخب الملكة.. وبعد أحداث الفوضى والحرق والتدمير والسرقة التى حدثت الأسبوع الماضى تراوحت الأسباب بين قتل الشرطة للشباب الأسود وبين الفقر والبطالة والفروق الطبقية الشديدة، خاصة فى توتنهام وبين مشاكل المهاجرين من كل الجنسيات، وهى مشكلة معقدة فى كل دول أوروبا تقريباً، وقال أصدقاء فى لندن إنها سياسة التقشف التى تتبناها حكومة كاميرون وإنها قد عبثت فى التأمين الصحى والرعاية الاجتماعية.. وقالت الصحافة الإنجليزية إن غضب الشعب بسبب ملايين الدولارات التى تنفقها الحكومة من أجل اصطياد «القذافى» مقابل رفع الضرائب وإجراءات التقشف التى أرهقت الطبقة العاملة الفقيرة. وتبرر الصحيفة وتسرد أسباباً أخرى ثم تقول.. «ولكن لا يمكن بأى حال من الأحوال استخدام هذه الأمور كتبرير للجوء إلى العنف ولا يمكن أيضاً فتح أى حوار مع مثيرى الشغب أو إصدار العفو عنهم».

هذا كلام الصحافة.. أما الحكومة الديمقراطية الدستورية فقد اجتمعت واجتمع البرلمان وتناقش الوزراء وتحدث النواب وتعاملوا مع الموقف بعيداً عن ربيع العالم العربى وباقى الفصول الأربعة، وتم اعتقال المئات من المشتبه فيهم واللصوص، والمخربين وتم إطلاق يد الشرطة وتدعيمها بأوامر قاطعة باستعمال القوة والقوة المفرطة إن لزم الأمر، وقرروا عقاب كل من شارك فى هذه الفوضى بالحرمان من الإعانة الاجتماعية والتأمين الصحى.. وصدور قانون- أو فى طريقه للصدور- يجرم التحريض من خلال الفيس بوك والبلاك بيرى، والتويتر، وأهم ما قاله رئيس الوزراء: «إنه لن يتم التسامح نهائياً مع هؤلاء الذين قاموا بتصرفات غير مقبولة تنشر إحساس الخوف فى شوارع بريطانيا». أما ما حدث فى «فلادلفيا» فى أمريكا منذ أشهر من عمليات سلب ونهب فقد قابلها «العمدة» عمدة المدينة بحظر التجول على كل من هم دون الثامنة عشرة من الساعة 9 مساء والشرطة حذرت بأنها ستواجه العنف بالعنف، حتى لو أدى ذلك إلى استخدام الذخيرة الحية.. إسرائيل بقى باين عليهم إنهم بيعملوا جو «أورينتال» راحوا على شارع شيك وعملوا خيام وطالبوا بطلبات لطيفة ظريفة والحكومة شكلت لهم لجنة ظريفة وخلاص.. هذا هو حال الحرية فى الدول الديمقراطية التعبانة بتاعة القوانين، لكن شوفوا بقى حريتنا حماها الله التى تجلت فى «دسوق»: الأهالى زهقوا من واحد بلطجى كان يفرض عليهم إتاوات ويسرق وينهب ويروع، ومن زمان زى ما بتقول الصحيفة.. اتفقوا مع عدد كبير من البلطجية والمسجلين وهاجموا مقر البلطجى وبعد الحرق والضرب والحرب انهالوا عليه بالطعن حتى مات، ثم قطعوا يديه ورجليه وفصلوا رأسه ووضعوا هذه الأشلاء فى تريسيكل طافوا به فى شوارع المدينة وسط الفرحة الغامرة، وزغاريد النساء تعالت وصوروه على الموبايلات عشان الذكرى فرحين بتنفيذ القصاص.. وتقول الصحيفة سعادة وفخرا «إن هذه رسالة تحذير للبلطجية والخارجين على القانون»، والصحيفة فخورة جداً بأن الأهالى حاكموا وأدانوا وحكموا ونفذوا ومثلوا بالجثة واحتفلوا وزغردوا.. فعلاً نحن الذين ننعم بالحرية مش تقولوا لى أمريكا وإنجلترا، والكلام الفارغ ده سلامو عليكو.

المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: