قرأت لك: كتاب مصر في 2011: مقالات الصحف قبل مبارك وبعده

قرأت لك: كتاب مصر في 2011: مقالات الصحف قبل مبارك وبعده



التلون سمت المنافقين والدفاع عن الحق لا يدفع ثمنه  سوى الصادقين

قد تكون هناك اختلافات في وجهات النظر بيني وبين متن المقال ولكنها بالمجمل تعبر عن الواقع الحالي لأصحاب الرأي المتلون وفقا لمصالحهم واتضح للكافة من هم وعلى الجميع الحذر من أقلامهم المسمومة للدفاع عن مصالحهم الشخصية بل وليست لصالح الوطن ومصداقية الكلمة ... محمد عنان 


كتب : محمود محسن

بعد قرابة عام من سقوط نظام الرئيس المصري السابق حسني مبارك، تجلت الكثير من المظاهر التي دشنتها ثورة 25 يناير (كانون الثاني) في مصر، البلد العربي الأكبر في عدد السكان وذي التأثير الكبير في منطقته. هذه المظاهر والتجليات لم تتوقف فقط عند حدود السياسة أو الاقتصاد أو الاجتماع أو عفوية الثورة المصرية وسلميتها، لكنها امتدت إلى كل النواحي ومنها الصحافة المصرية التي دأب نظام مبارك على تغيير الصورة على صفحاتها، خاصة الصحف القومية التي فقدت على مدار سنوات مصداقيتها لدى رجل الشارع المصري تدريجيا، واعتمد في ذلك على مجموعة من رجال النظام في هذا المجال المهم والذين ظلوا يدافعون عن نظام مبارك حتى اللحظات الأخيرة.لكن هذه الصورة لم تكن مستغربة من أصحاب الأعمدة الصحافية، فلكل رأيه وله حق التعبير عنه، لكن المستغرب كان التحول الجذري الذي شهده خطاب هؤلاء الكتاب بعد أن نجحت الثورة في إسقاط مبارك ورموز نظامه، وهو الأمر الذي دفع بعض المصريين إلى إطلاق اسم «المتحولين» على هؤلاء الكتاب أصحاب الرأي، وقد لا تكفي مقولة جمال حمدان، العالم المصري الراحل، حين قال «مصر بلد المتناقضات»، في موسوعته «شخصية مصر» في وصف هذه الحالة، لأنها قد تتعدى التناقض إلى نوع من البحث عن أدوار داخل أروقة النظام الجديد خوفا من أن يزول ما كان لهم من موقع داخل النظام المنتهي.

ولا يزال العديد من هؤلاء الكتاب يحاول بكل ما أوتي من قوة اللحاق بركب الثورة وإيجاد دور له في العهد الجديد، الذي يتصارع على اللحاق به، حتى قبل أن يتشكل. ويقع الكم الأكبر من الجهد على كاهل كتاب الصحف القومية، الذين تحول الكثير منهم خلال سنوات إلى ناطقين باسم الحزب الحاكم، تحت عباءة المجاملة أو المحاباة لرموز السلطة والنظام، والذين تحولوا مرة أخرى من تمجيد هذا الحزب بسبب أو من دون، إلى تمجيد الثورة، والتهليل للشباب، وإفراد الصفحات لفضح ممارسات الحزب ذاته الذي مجدوه سابقا، والغريب أن كثيرين منهم تحولوا مرة أخرى وتلونوا بلون الزي العسكري للوقوف في صف المجلس العسكري الحاكم في وجه الثوار هذه المرة رافعين شعار «مات الملك عاش الملك».

جمال زايدة، مدير تحرير «الأهرام»، أحد الذين عبروا عن هذه الحالة من الانقلاب الفكري بين التأييد المطلق لمبارك ورجالاته وعلى رأسهم وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي، ليتحول بعد الثورة إلى واحد ممن مجدوا الثوار، لينتهي به الحال إلى اقتراح المشير رئيسا مدنيا لأنه ارتدى بدلة مدنية. وتكفي عناوين مقالات زايدة قبل وبعد الثورة، وتحولها من «شكرا سيدي الرئيس» و«سلامتك يا ريس» و«مبارك زعيم وطني»، إلى «ثروة الرئيس» و«مبارك صاحب اللامشروع» و«أين رجال الوريث؟»، للدلالة على هذا الانقلاب. زايدة الذي كتب يقول «الشهادة واجبة، أيضا وزير الداخلية السيد حبيب العادلي لا يترك ضابط شرطة مخطئا من دون عقاب.. وإن مفاهيم حقوق الإنسان وصلت إلى aجهاز الشرطة»، كتب بعد الثورة، وبالتحديد في التاسع من فبراير (شباط) 2011 في عموده الصحافي «تأملات سياسية» تحت عنوان «شهداء 25 يناير» منتقدا النظام الذي لم يقدم عزاءه في الشهداء، وقال «لم يقدم أحد من الرسميين العزاء في شهداء 25 يناير. لم يقدم أحد منهم العزاء لشعب مصر في أكثر من 300 شهيد في عز شبابهم كانوا يدافعون عن كرامة وعزة ومستقبل بلدهم».

ويقع تحت هذه الطائفة من الكتاب الكثيرون، خاصة رؤساء الصحف القومية السابقين وبعض رؤساء المجلات التي كانت تابعة للحزب الوطني بشكل أو بآخر، ومنهم الدكتور عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة مؤسسة «الأهرام»، الذي كتب في صفحة «الأهرام» الأولى في الأول من يناير 2011 في مقالة بعنوان «مشروع العقد القادم»: «في مواجهة الإيجابيات الكثيرة التي طرحها الحزب الوطني الديمقراطي حول التغييرات الاقتصادية والاجتماعية التي جرت في الواقع المصري؛ فإن جماعة قليلة من الكتاب ردت بإيراد الكثير من الأرقام والمقارنات مع الدول الأخرى التي تدل على دوام التخلف واستقرار الفقر»، ورد سعيد على هؤلاء الكتاب الذين انتقدوا الحزب قائلا «إنهم لا يتفهمون فكر الحزب الوطني.. وأن مصر لا تزال دولة نامية.. لكن الفارق بين الحزب وبينهم أن الحزب سعى للخروج من هذه المشاكل بينما قعدوا هم فقط لتوصيف الحالة»، وقال في تتمة مقاله «لا نجد لديهم إلا الحديث عن أمجاد دول سبقتنا من دون استعداد حتى نصل لما وصلوا إليه»، إلا أنه عاد ليكتب عن موجة ضرورية للإصلاح السياسي، ثم تحدث عن صعوبة أن يتكرر ما حدث في تونس في مصر، وكتب في 17 يناير 2011 تحت عنوان «مأزق الدولة العربية المعاصرة»: «حاولت أقلية فرض ما حدث في تونس على المجتمع المصري، لكن الكتلة الحرجة في مصر تختلف بوضوح عن الكتلة الحرجة في تونس.. والفارق الحقيقي بين مصر وتونس هو وجود أجهزة ومؤسسات مصرية تدرك الظروف وتعرف المسألة وتقدر العلاقة بين نمو واتساع الطبقة الوسطى والإصلاح الاقتصادي والسياسي بأكثر مما وعت تونس»، وعاد سعيد في الثلاثين من الشهر نفسه ليكتب في عموده «من القاهرة»، بعنوان «مفترق طرق»، مؤكدا أن «رسالة التغيير لم يعد ممكنا تجاهلها، وأن في مصر نارا ولهبا يكفيان من ناحية لبنائها ومن ناحية أخرى لهدمها.. فرض الشارع نفسه في شكل جماعات من الشباب المنفعل بقوة والمندفع بطاقات كبرى لا تعرف طريقها إلى الاستخدام.. إن كل ما كان يعتبر علامة من علامات التقدم من أول استخدام المحمول حتى الشبكات الاجتماعية راح كله يُستخدم لكي يحرك وأحيانا يدمر، وكل ذلك يتم في براءة الشباب»، ثم عاد في الخامس من فبراير ليتحدث عن انتهاء سيناريو التوريث وبداية عملية التحول الجيلي وانتهاء سيطرة الحزب الواحد الذي اعتبره أحد إنجازات الثورة، مستدركا «الثورة ليست بالبراءة التي يتصورها الناس، وفي ما عدا ثورات نادرة فإنها غالبا ما تخرج عن مسارها».

الكاتب مكرم محمد أحمد، نقيب الصحافيين السابق، كان هو الآخر يسير على الخطى ذاتها، وكتب في عموده اليومي «نقطة نور» بالأهرام في 18 يناير متحدثا عن بن علي تحت عنوان «من يملأ فراغ السلطة»: «لم يكن بن علي على موقف عندما وصف المتظاهرين بقلة إرهابية منظمة، وتعامل بقسوة معهم، واعتلى قناصته أسطح وزارة الداخلية»، وقبل ذلك بيوم واحد كتب في العمود نفسه بعنوان «تونس حالة خاصة»، مؤكدا أن «ما حدث في تونس مجرد حالة خاصة لا تنطبق سوى على تونس»، إلا أنه عاد وكتب في 25 يناير منتقدا المتظاهرين وليس الشرطة المصرية «لماذا هذا العداء المبيت؟.. هل خربت نفوس البعض إلى حد فقدان القدرة على التمييز بين ما يجوز الغضب من أجله وعمليات استفزاز للشرطة مقصودة لذاتها تستهدف إذكاء العداء والتحدي المبالغ فيه ضد مؤسسة وطنية تحمل أعباء جسيمة، مهما يكن حجم الأخطاء التي صدرت من أفرادها والتي لا تعدو مجرد أخطاء فردية تحدث في أكثر الدول تقدما؟»، ثم عاد ليتحدث عن المطالب المشروعة للمتظاهرين قائلا في السابع والعشرين من يناير «ما حدث يمثل طلبا جماهيريا واسعا مشمولا في الرغبة في النفاذ العاجل»، داعيا إلى الكثير من الإصلاحات الكبيرة، لكنه عاد مرة أخرى في الثالث من فبراير ليدافع عما بقي من نظام مبارك، رافضا رحيله، وقال «ما هو المقصود من رحيل مبارك في الفور واللحظة وعدم الانتظار شهورا معدودة يكمل فيها الرجل فترة حكمه الدستورية، خاصة إذا كان البديل دخول مصر في متاهة المرحلة الانتقالية؟.. إن مبارك لم يرتكب جرما يستحق إنكاره على هذا النحو الذي يتسم بالعداء والخسة وعدم الوفاء»، ثم عاد في يوم تنحي مبارك ليكتب «الثورة أعطت العالم نموذجا عبقريا في التغيير السلمي لم يشهد تاريخ الثورات مثيلا لنبله ونقائه، وسوف يشكل إلهاما لكل شعوب العالم، وإن قدرة نظام الحكم توقفت عن مواكبة نبض المجتمع، حيث عجز عن أن يقود تغييرا منظما يلبي عطش المصريين إلى الحرية وإلى الديمقراطية المكتملة، وأسلم الأمر إلى مجموعة من المغامرين لا يعرفون جوهر الشعب المصري، ورفض هذا النظام نصائح كاتب هذه السطور مصرا على لغة الاستعلاء».

لكن الكاتب ياسر رزق، رئيس تحرير «الأخبار»، كان أقل حدة من سابقيه في تأييد النظام السابق، وبالتالي أقل حدة في درجة التحول، لكن بحكم المنصب لم يكن يتوقع من رزق الذي انتقد سياسات الحكومة المصرية في مقالاته، أن يصل هذا النقد إلى أشخاص بعينهم، خاصة رجال الحزب أو الرئاسة، وكانت كتابات رزق تدور ما بين النقد والتأييد على استحياء، حيث كتب في 16 فبراير 2008، في مجلة «الإذاعة والتلفزيون» (التي كان يرأس تحريرها قبل «الأخبار»)، متحدثا عن تكريم الرئيس مبارك للمنتخب المصري الأول لكرة القدم وأهمية هذا التكريم، داعيا الحكومة إلى استغلال هذا الأمر والإحساس بمشكلات الناس كما يفعل مبارك.
وقال «يمكن للناس أن تعلو فوق همومها إذا أحست بأن حكومتها تشعر بنبضها وتحس بمعاناتها»، إلا أنه عاد بعد الثورة ليكب عن «أبانا الذي في شرم الشيخ.. نحن ضحاياك!»، متحدثا عن مبارك قائلا إنه «كان يريد البقاء في الحكم حتى آخر نفس، لا لشيء إلا من أجل جنازة مهيبة تليق برئيس توفي في السلطة.. كان يتمناها أضخم من جنازة عبد الناصر متعددة الملايين من المشيعين، لكنه الآن يخشى أن يدفن تحت الحراسة، مشيعا بلعنات الملايين!».
وهناك آخرون لم يكونوا بنفس أسلوب رزق، لكنهم كانوا أكثر صراحة سواء في مهادنة نظام مبارك أو الانقلاب عليه في ما بعد، وكان الكاتب الصحافي حمدي رزق ممثلا لهذا النموذج، حيث كتب في مجلة المصور في عدد 3 نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 بعنوان «رئيس الحزب» قائلا «الرئيس مبارك نجح في أن يقود أكبر عملية تحديث في بنية الحزب الوطني، ولا نغالي لو قلنا إنها أكبر عملية تحديث حزبية في مصر خلال الأعوام الثلاثين الماضية، اليوم هناك أكثرية من القيادات الشابة الحيوية النشطة ذات الفكر المتجدد، وهي قيادات لم تأت بقرارات فوقية وإنما جاءت بالانتخاب من القواعد الحزبية في طول البلاد وعرضها»، وكتب في المجلة نفسها في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2010 بعنوان «رئيس الفقراء» وقال «في خطاب الرئيس مبارك إقرار رئاسي بأن الفقراء في عقل وقلب القائد.. فانحياز الرئيس للفقراء ورفع كلفة التأمين الصحي عن كاهلهم يعني الكثير.. كان فقيرا مثلنا يمضي على القدمين حاملا كتبه إلى المدرسة مثل بقية مخاليق ربنا.. رئيس منا.. رئيس للفقراء». ثم عاد ليكتب بعد الثورة في السابع عشر من نوفمبر 2011 عن فلول الوطني «اعزلوهم حيث ثقفتموهم، وأخرجوهم من المجلس حيث أخرجوكم، اعزلوهم تصويتا، وأخرجوهم من المجلس تصويتا، ولا تأخذكم بهم رحمة ولا شفقة تصويتية، لا تنتظروا قضاء يخرجهم ويعزلهم، ضعوهم في حجمهم.. وما يأفكون..».

وكتب مرسي عطا الله في عموده «كل يوم» بـ«الأهرام» في 26 يناير 2011 «بصرف النظر عن انتقادات وملاحظات تقال بين الحين والحين لا بد من الاعتراف بأن جهاز الشرطة رغم قسوة وتراكم التحديات قد نجح في حماية السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية يمزج بين هيبة السلطة ومتانة الروابط الاجتماعية، وهو ما جعل مصر تنعم بأمن واستقرار يوفره جهاز اكتسب كل صفات الانضباط المسؤول»، إلا أنه عاد بعد سقوط مبارك وكتب في العمود نفسه في 27 فبراير 2011 «التغيير يصنعه الشباب بفضل قدرتهم على التضحية والفداء ورغبتهم في العيش بكرامة وحرية»، داعيا إلى التواصل بين الأجيال الشابة والأجيال القديمة التي طالبها بأن «تستبعد من ذهنيتها المقاييس التقليدية لثقافة الطاعة».
ولم يكن مقال الكاتب إبراهيم نافع «حقائق» ببعيد عن هذا الاتجاه، وكتب في الحادي عشر من فبراير 2011 «هل نستمر في فرض اللاءات التي أدت بنا ليس مصر وحدها بل الأمة العربية جميعها إلى الوراء؟.. وهل نستمر في قول لا لنداء العقل، ولا للتحاور، ولا للقوى السياسية كلها لأنها لا تمثلنا؟.. إننا نسير إلى خراب، خراب، خراب»، وأيضا عاد هو الآخر في 28 فبراير 2011 «لقد مر على الثورة ثلاثون يوما حققنا فيها بإصرار واستمرارية العديد من المكاسب السياسية والاجتماعية وما زلنا نأمل في المزيد».

ويقول الدكتور محمود خليل، أستاذ الصحافة بجامعة القاهرة، تعليقا على الظاهرة «هناك ملمحان أساسيان للصحافة المصرية في هذه الفترة، أولهما ظاهرة المتحولين الذين احترفوا الدفاع عن المخلوع ونظامه ومارسوا الهجوم على الثوار والثورة، وبعد أن قطعت الثورة رأس النظام دافعوا عنها لكي يخلقوا لأنفسهم أدوارا جديدة داخل المشهد السياسي المصري الجديد، والتحول من منهجية نفاق السلطة إلى نفاق الثورة هو أمر واحد ومنهجية واحدة وهي النفاق لكل من يملك السلطة، وهؤلاء الكتاب نسبة كبيرة منهم يعيشون محنة قاسية لأنهم كانوا يمثلون النخبة وهم الآن يبتعدون تدريجيا عن النخبة الحالية والنخبة التي سيعتمد عليها النظام الجديد».

أما الدكتور فاروق أبو زيد، العميد الأسبق لكلية الإعلام جامعة القاهرة، فلم يجد في الأمر جديدا في تاريخ الصحافة العالمية أو المصرية، وقال «هذه الظاهرة هي ظاهرة عالمية وتاريخية منذ بدء الصحافة، ففي فرنسا في عهد نابليون كانوا يرفعون شعار الديكتاتور عندما هزم نابليون وخرج من فرنسا، وعندما عاد مرة أخرى كتبت الصحافة الفرنسية (لقد عاد بطل فرنسا لباريس)، فوظيفة الصحافة هي الدفاع عن السلطة، ولم تعرف الصحافة وظيفة الرقابة على السلطة إلا في مطلع القرن التاسع عشر، وتاريخ الصحافة المصرية به العديد من الأحداث المماثلة، بداية من الثورة العرابية ومحاباة الصحافة للأفغاني، ثم ما لبثت أن انقلبت عليه عندما انقلب عليه الخديو توفيق».
في طوفان مصر السياسي انغمرت أسماء وذكريات وأفكار.. وبرزت من تحت الماء أشياء أخرى.


المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: