#سلسة_كشف_الطرف_الثالث" الرئيس "جـمـلـة اعـتـراضـيـة " الجزء العاشر  🦅

#سلسة_كشف_الطرف_الثالث" الرئيس "جـمـلـة اعـتـراضـيـة " الجزء العاشر 🦅

 

 سلسلة كشف "الطرف الثالث" الرئيس "جـمـلـة اعـتـراضـيـة " الجزء العاشر  🦅

محمد عنان - وفقا لمصدر أمنى


جمله اعتراضية..

مرت الأيام الأولى لحرب أكتوبر عليه في الكلية وقد تملكته عدة مشاعر متناقضة ما بين الفرح بسبب قيام الحرب أثناء وجوده في السنة الأولى في الكلية الحربية ما يعني أنه لن يحارب.. وما بين الخوف من أن يطول أمد الحرب وتمتد لفترة طويلة ويتم إرساله بصورة أو بأخرى إلى جبهات القتال...


كان الرائد أشرف الجمل" قد كلفه برصد مشاعر زملائه في الكلية تجاه الحرب والتي كانت في أغلبها مشاعر فرحة يتمنون معها أن يتم إرسالهم للقتال بأية طريقة.. كان يكتب تقريراً يومياً بأسماء المتحدثين في شئون الحرب وينقل في تقريره كل كلمة قيلت ومن منهم مؤيد للحرب؟ ومن منهم معارض لها؟ وأيهم يشكك في الأخبار والتقارير التي تبنتها الإذاعة المصرية عن الحرب ويسخرون منها؟

كان يرصد كل كلمة وكل حرف ويدونه في تقريره منفذاً تعليمات الرائد "أشرف" بحذافيرها .. ولكن سرعان ما انتهت  الحرب فجأة وانتهت بقرار وقف إطلاق النار الذي ألزم الطرفين المتحاربين بإيقاف القتال والبدء في التفاوض حول الأرض والأسرى وبعض التفاصيل الأخرى..

هو من ناحيته لم يكن يكترث كثيراً بنتيجة الحرب ومن المنتصر ومن المهزوم؟! لم يكن أصلاً يتمنى أن تقع الحرب فلما وقعت لم يجد له مربعاً ينحاز إليه.. بل إنه كان يتمنى أن تكون تلك هي آخر الحروب بين مصر وإسرائيل.. ولكنه تذكر كلمات ضباطه من مدرسي الكلية الذين أكدوا مراراً وتكراراً أن الحرب من الممكن أن تقع في المستقبل في أية جبهة وبين أية دولتين في أي وقت وليس شرطاً أن ينتهى القتال بتحرير سيناء فقط ..

فالحرب وفقاً للمتغيرات السياسية والاقتصادية دائماً وأبداً ما تظل أحد الخيارات المطروحة للتعامل مع الصراعات والنزاعات السياسية والاقتصادية بين جميع الدول.. فمن الممكن أن يتحول الفرقاء إلى حلفاء والخلفاء إلى فرقاء في أي وقت، بسبب تغرير الظروف السياسية أو الاقتصادية ما بين ساعة وأخرى.. والحوادث والأمثلة على مر التاريخ القديم والحديث في هذا المجال كثيرة وعصية على الحصر ...

وقتها تذكر كلمات أمه له وهى تمسح الأتربة من فوق الرسم الموجود على جدار بينهم والذي كان يبدو أنه في الأصل يمثل شعار الشمعدان اليهودي وقد تم تحويره إلى ثلاث ورقات شجر تجمعهم قاعدة واحدة خضراء ربما خوفاً من انتشار موضة اضطهاد اليهود المصريين في أعقاب فضيحة "لا فون"..


كانت أمه دائماً ما تؤكد له أن الشعب اليهودي شعب مسالم.. ويدفع ثمن سلمتيه وتقدمه ونجاحه وعلمه وهم مضطرون دوماً للدفاع عن أنفسهم بسبب تواجدهم الدائم بجوار شعوب تكرههم وأنه لا يجب على المصريين أن يحاربوا أبناء عمومتهم اليهود!....

سال أمه مندهشاً ذات مرة:

للدرجة دي الحرب وحشه وانتي خايفة منها؟

واكتر من كده.. دي حرب ما بين ناس المفروض إنهم أهل!.. فاهمنى؟

أهل ؟ أهل إزاي يا أمي؟ إذا كانوا بيقولوا لنا في المدرسة إن عدونا الوحيد هما اليهود؟! غلط يا ابني.. غلط .. مش كل اللي بيقولوه في المدرسة مظبوط ... في ناس فرقت ما بين الأهل وكلنا بندفع الثمن.. أنا دلوقتي إخواتي مازالوا يهود... المفروض لو انت كبرت وحاربت تحارب أولادهم؟! هل ده صح ؟

يرد بدهشة أكثر :- أولادهم..؟ أولاد خالي يعني؟ لا طبعاً ما يصحش يبقى لازم تعرف إن الحرب مش في مصلحتنا كلنا.

فعلاً.. الحرب مش في مصلحتنا كلنا.. تذكر تلك العبارة الآن ليستقر بها على شعور واحد تجاه الحرب.. الحرب مش في مصلحتنا كلنا.. الحرب بين أولاد العم والخال لا يجب في الأساس أن تندلع.. تمنى لو قدر له أن يكبر ويكون ذا صفة عسكرية كبيرة أن يوقف أي قرار محتمل للحرب بين الأهل بأية طريقة


هو أنا مش قلت لك 100 مرة قبل كده تحسن خطك؟

أنا مش عارف أقرا كلمة واحدة من نكش الفراخ بتاعك ده!.. انت مين طلعك من الابتدائية ؟!

قالها الرائد " أشرف الجمل " محتداً وهو يتوجه بعنف على رداءة خطه التي كانت تمثل له

عقدة قديمة حاول كثيراً أن يعالجها ولم يستطع

يا افندم أصل..

قاطعه الرائد " أشرف " في حدة وهو يقذف بأوراق التقرير في وجهه - أصل إيه؟!.. اتفضل إقرا الشخبطة دي عشان مش عارف أجمع منها جملة واحدة سليمة .. ثم يستطرد ضاغطاً حروف كلماته: وعلي صوتك..

 لملم الورق بسرعة وأعاد ترتيبه ثم شرع يقرأ ببطء وبلغة ركيكة ما سطره بيده عن آراء الطلبة في الحرب وأسمائهم وغيره مما قام بتدوينه عن مناقشات الطلبة التي يسمعها في السكن وفى دورات المياه وفى أثناء التدريب مع بعضهم البعض.. قبل أن يقاطعه الرائد " أشرف" في اهتمام

بالمناسبة .. أنا عاوز أعرف رأيك انت ايه في الحرب؟

نزل السؤال على رأسه كالصاعقة.. وتسارعت الأفكار بسرعة في عقله... رأيه؟ ولماذا يطلب الرائد منه رأيه؟ هل يبدي موافقته على قرار الحرب وفرحه بما حققته مصر فيها أم يرفضها؟ لم يكن يعرف يم يجيب على سؤال كهذا؟ هو حتى لم يستطع أن يصل الإجابة سؤال كهذا مع نفسه وحتى لم يكن يتوقعه .. أبداً... - انت كمان ما بتسمعش ؟! عاجلة الرائد " أشرف " بحدة وهو يخرجه من أفكاره المتسارعة ويستعجل رده

رد بخوف و توتر جميل ...

و مين اللي جميل ؟؟

قصدي يعنى يا افندم إني مؤيد للحرب! نطقها بسرعة ظناً منه أن الرائد أشرف من مؤيدي الحرب وينتظر إجابة كتلك.

سأله الرائد أشرف باستنكار : - نعم.. مؤيد للحرب؟!

صدمه سؤال الرائد مرة أخرى.. هل يعني سؤاله المغلف بالاستنكار هذا أن يكون رافضاً للحرب ؟! ولكن كيف يرفضها وهو ضابط في الجيش ؟! كيف يكون رافضاً للحرب؟!. ما هذه الحيرة ..

بصراحة بقى يا افندم.. أنا مش مؤيد للحرب ومش رافض لها.. أنا أصلا ما احبش يكون لي رأي في الحرب دي بعيد عن رأي حضرتك.. اللي تشوفه يا افندم ماشي. ابتسم " أشرف الجمل " في زهو شديد وملأ الرضا قسماته وهو يضغط حروف كلماته: -- كده تعجبني اللي يشتغل الشغلانة دي لازم لا  يبقى مؤيد للحرب ولا يبقى معارض... يبقى محايد.. فاهم؟..؟ عاوزك تستمر على موقفك ده دايماً.. قبل أن يتفحصه مرة أخرى

بعيني خبير وهو يقول له بسخرية:شكلك كده ها توصل ياض...


نظراتها الطويلة له هي ما لفت نظره بشدة لها منذ شهور.. كانت تعشق زيه العسكري.. تتملق عشقاً فيه عندما تجده يمر ببدلته العسكرية من أمام بيتهم... تربط أباها صلة عمومة بأبيه.. لاحظ أكثر من مرة أنها تنتظر قدومه مساء الخميس من كل أسبوع.. تراقبه من شرفة بيتها.. رفع عينه مرة ونظر لها فأطرقت رأسها في خجل.. وقتها كان بداية تسلل حبها إلى قلبه.. بالطبع غيرها كثيرون من البنات كن يحاولن لفت نظره فمن بعد ارتدائه البدلة العسكرية.. 

ولكنها الوحيدة من بينهن التي خفق لها قلبه وقرر بسببها زيارة أقاربه بحجة واهية يختبىء وراءها ليتلمس إعجابها به عن قرب... ولم يضيع وقتاً.. ففى مساء اليوم التالي طرق باب قريبه .. تبسم وجه أمها عندما وجدته بالباب.

- أهلا يا «عبد الفتاح» خطوة عزيزة .. بقالنا فترة طويلة مش بنشوفك.. اتفضل يابني..

أهلاً وسهلاً

كانت البداية مبشرة بالنسبة له.. وكان بالنسبة للجميع في عائلته وحتى في الحي كله قد علماً بلباسه العسكري.. فكانت زيارته لأي شخص تدعو للفخر.. هو نفسه كان يعلم ذلك.. فكان يتعامل مع الجميع بتعالي وغطرسة.. ولكنه ابتسامة عذبة وهو يسلم على عمه... هذه المرة جلس وقد استمر الحديث بينه وبينهم أكثر من ساعتين.. لاحظ نظراتها المعجبة به... أصبح بسبها يتمنى أن ينتهي الأسبوع بسرعة ليراها مرة أخرى.. تغيرت حالته فبعد أن كان يكره الإجازة الأسبوعية.. ها هو ينتظرها من الأسبوع للأسبوع.. فقط ليراها هي.. كانت زياراته لهم قد انتظمت نوعاً ما.. ما إن هم بدخول منزلهم حتى وجدها على سلم البيت في طريقها للخروج فبادرها بابتسامة ودودة وعيناه مسيلتان:

انتي رائعة فين؟ مش عارفة إن أنا جاي أزوركم؟

بابا وماما فوق أنا استأذنت من بابا إني أنزل اشتري حاجة.. اتفضل

تجرأ مرة واحدة قبل أن يقول لها:

أنا على فكرة باجي عشانك انتي !

تظاهرت بأنها فوجئت فأطرقت برأسها في الأرض خجلاً فعاجلها بسرعة: بمجرد ما ها تخرج هاجي أخطبك من عمي.. إيه رأيك...

زاد حجلها واحمرت وجنتاها ولم ترد... علم من صمتها أنها توافقه على ما قاله.. تأكد أنها تحبه.. هو أيضاً تعلق بها.. قرر أن تكون زوجته.. لا يعتقد أن أباها سيرفض ضابطاً في الجيش.. إذن فطريقه إليها ممهد...

ستكون زوجته.. هكذا قرر ...

لا يا عبد الفتاح بلاش دي. نطقتها أمه في غصب.. فرد بسرعة مستنكراً ليه ؟ دي بنت عمى وأنا أولى بيها... لا طبعا انت بكرة ها تبقى ضابط في الجيش ولازم تتجوز بنت ضابط كبير يليق بمقامك!..

كانت أمه من داخلها تتمنى أن تختار له هي من يتزوجها.. لم تكن تريد له أن يختار .. هذا غير أنها كانت لا تطيق أهل زوجها منذ زمن.. وتعتبرهم الآن لا يليقون بابنها حضرة

الضابط «عبد الفتاح» !..

غير أنها لم تكن لتستطيع أن تضغط عليه فأرجأت الموضوع كله لما بعد تخرجه لعل مشاعره تكون وقتها قد اتجهت إلى أخرى...

هو من ناحيته كان قد تعلّق بها لدرجة أنسته أنه أهم شخص في محيط عائلته الآن.. وحتى انسته طاعته لتعليمات أمه دائماً.. قرر أن يحاول لاحقاً إقناع أمه بالزواج منها.. بأية طريقة ...

- هل من توصيلة إلى الفردوس ؟!

نطقها سائق السيارة الأجرة أمام أبواب مطار "لارناكا" وهو يبتسم في نفاق للسائح الذي يمر بجانبه.. الذي التقط العبارة بسرعة وقد كان يحفظها عن ظهر قلب.. فرد عليه بتكملة رموز التعارف بينه وبين عملاء الموساد.. وماهي إلا دقائق حتى كان الخواجة "لطيف " يدلف إلى البيت الأمن للموساد في قبرص...

استقبله "يوسف ميرزا " بابتسامة لزجة.. فعاجله متلهفاً:

كويس إنك لسة قادر تضحك..

نطقها بتشف يشوبه السخط ففهم "يوسف" ما يرمي إليه فضحك بشدة وهو يقول له: - مستر "لطيف.. ارم ورا ضهرك.. كنا تقريباً تتوقع ما حدث وهو ليس مطروحاً للنقاش الآن.. انت تعرف قدر ما نحن بصدده وما أرسلنا إليك من أجله.. إن هدفنا جميعاً هو عبد الفتاح.. الحرب التي انتهت للتو لا تمثل في مشروعنا العظيم سوى مجرد جملة اعتراضية... قبل أن يستطرد بجدية أكثر: - الآن ستناقش سوياً تقريرك الذي أرسلته في آخر خطاباتك عن أقارب «عبد الفتاح» الذين يتردد عليهم مؤخراً.. وعن ابنتهم التي وقع في حبها..

تريد أن تعرف منك كل شيء حكاه لك عنها وعن لقاءاته بها وبأهلها.. كل شيء.

إسرائيل والانفتاح على الغرب.. هو نفسه كان يلمس هذا الرخاء طوال إجازاته من الكلية الحربية خلال العام المنصرم.. فتجارة أبيه زادت و توسعت وازدهرت بعد إنشاء المنطقة الحرة في بورسعيد.. فقد كانت الناقلات العملاقة القادمة من جميع أنحاء العالم كثيراً ما تتنازل عن نصف حمولتها للتجار المصريين بأسعار رخيصة قبل خروجها من بورسعيد أو السويس لأسباب كثيرة..

 ما أثرى التجارة في مصر.. وخاصه تجارة الحبوب والعطارة .. اشترى أبوه أكثر من ثلاثة مخازن كبيرة جديده لتستوعب تجارته.. كما أصبح يمتلك سيارتي نقل كبيرة.. أما الخواجة "لطيف" فقد وصل إلى درجة عالية جداً من الشراء.. ولم يعد مجرد تاجر بقالة ومنتجات تموينية فحسب ولكنه أصبح يتاجر في كل شيء بدءًا من الساعات وحتى قطع غيار السيارات.. امتلك أربعة محلات في شوارع رئيسية بالموسكي ثم شرع في تأسيس مصنع صغير لإنتاج الملابس الجاهزة.. ولكنه أبداً لم يترك دكانه الصغير في حارة اليهود.. ولم يترك شقته المتواضعة في نفس الحارة.. هو عن نفسه كان يُرجع السبب في العلن إلى عشقه للمكان 

ولكنها في الخفاء لم تكن سوى تعليمات وأوامر لا يستطيع تخطيها أو تجاوزها .. كان يلتقي "لطيف" كثيراً في إجازاته ويسمع منه كل ما يريد معرفته عن السياسة وفى المقابل كان يسرد له كل ما يلاحظه ويشاهده بالكلية.. حكى له كثيراً كيف وصل بعينيه وأذنيه المفتوحتين دائماً على زملائه إلى عقل وقلب الرائد " أشرف الجمل".. 

سرد له تكهنات أساتذة الاستراتيجيات وعلوم الحرب وتوقعاتهم الدائمة في أحاديثهم أثناء المحاضرات القليلة التي كان يحضرها.. نقل له آراءهم في الحرب ونتائجها.. وفى السلام القريب مع إسرائيل.. كان بارعاً في نقل كل عبارة وكلمة وحرف يسمعه ممن حوله لـ "لطيف"... الذي كان ينقله بدوره إلى "يوسف عيزرا" ضابط عملية "الملك داوود".. وفي أسرع وقت...

ليلة تحدث عنها كل طلاب الدفعة.. لم تكن ليلة عادية.. كانت الكلية الحربية كلها : الحفل التخرج في الصباح.. جنبات وطرق الكلية تتزين للزيارة السنوية لرئيس الجمهورية... قوات تأمين الرئيس من الحرس الجمهوري تقوم بالتفتيش بدقة بحثاً عن أي شيء يهدد سلامته أثناء طابور العرض وحفلة التخرج.. المقدم أشرف الجمل" يقف مع بعض قيادات الحرس الجمهوري داخل أرض الطابور الرئيسية بينما عبد الفتاح يهرول ناحيته بسرعة وعلى وجهه أمارات توحي بحدوث أمر جلل.. يرفع يده مشهوراً له:

- لو سمحت يا افندم

بغريزته يبتعد المقدم أشرف عن ضباط الحرس الجمهوري ويتنحى جانباً مع عبد الفتاح...

وهو يسأله بقلق:

فيه إيه يا عبد الفتاح؟

عادل ومنير مهيجين زمايلهم ويحرضوهم على رفض نتايج الدفعة! أسماء الطلبة الأوائل.. 

عادل بيقولهم مش معقول نذاكر ونتعب ونجتهد في دراستنا و الأوائل يتصدرها أبناء القادة والعصافير !

تكتسي ملامح المقدم "أشرف" بالغضب الشديد.. وهو يفكر للحظات قبل أن يوجه له

تروح تبلغ مساعد تعليم الكلية يجمع الدفعة كلها بسرعة في ملعب التنس  وبلغه إنه يكون هادي، وهو بيجمعهم عشان ما يلفتش نظر قوات تأمين الرئيس..

تمام يا افندم..

بعدها بدقائق كانت الدفعة كلها تدخل إلى ملعب التنس.. وعلى منضدة في منتصف الملعب تماماً 

كان أشرف الجمل ينفث دخان سيجارة في هدوء...

انتباه

صرخ بها مساعد تعليم الكلية وهو ينظر للطلاب أمامه قبل أن يحول بصره بسرعة إلى المقدم اشرف" الذي بادله النظرات وهو يهز رأسه في بطء بإشارة فهمها على الفور مساعد تعليم  الكلية

 فهتف بصوت منخفض في الطلبة

استرح

- خير يا رجالة؟!.. أنا سامع إنكم مش عاوزين تتخرجوا بكرة؟!

الجمت عبارة "أشرف الجمل" ألسنتهم وقد فهموا ما يقصده منها فعلت الهمهمة بينهم..

فصرخ فيهم بقوة: الكلام يبقى معايا أنا بس...

ساد الصمت لحظات قبل أن يرفع عادل يده:

ممكن أتكلم يا افندم...

نظر له "أشرف " بخبث وهز رأسه موافقاً

 فاستطرد "عادل":

هو احنا نتعب ونجتهد وبعدها أبناء القيادات يحتلوا المراكز العشرة الأولى؟؟

مين اللي قال إنك انت بس اللي بتتعب؟! أبناء السادة القيادات كمان أكيد تعبوا وذاكروا كويس وحصلوا على درجات عالية بمجهودهم... لكن يا افندم أغلبهم طول سنين الدراسة كانوا بيحضروا محاضرات بالصدفة وباقي الأيام مش معانا  أو في  العيادة ويتمارضوا و...

قاطعه أشرف الجمل بحدة: انت طالب مش منضبط عشان ما ينفعش أصلاً تقول كدة على زملاءك.. يكفي إنكم تعرفوا إن أبناء السادة القيادات منضبطين لانهم نشأوا في أسر منضبطة.. وعيب لما تشيع عليهم كده.. قبل أن ينظر لباقي الطلبة موجهاً حديثه لهم:

أنا طبعاً مش عاوز أنكد عليكم في ليلة زي دي.. لكن عادل زميلكم أصلا من أول يوم له في الكلية وهو مشاغب واستحملناه بسبب أخوه الشهيد.. قالها وهو يغمز بعينه بخبث في إشارة ذات معنى قبل أن يستطرد:

- لما تبقى انت أصلا حصلت على امتياز بالاستمرار في الكلية رغم مساؤك عشان واسطتك شهيد وجاي تحرض زملاءك على التمرد بسبب الواسطة تبقى انت إيه؟!

يا افندم أنا عمري ما...

يقاطعه مرة ثانية:

لا أنا مش بسالك.. أنا بسأل زملاءك.. هما اللي يردو.. زميلكم اللي بيحرضكم على نظام الكلية أصلاً موجود ومستمر بسبب إن نظام الكلية كان مرن وإنساني معاه...

خفض الجميع رؤوسهم وتبعهم عادل الذي لم يجد بدا من الاستمرار في الحديث اتفضلوا على المبيت بتاعكم وادعوا إن ربنا يوفقكم بكرة في العرض بدل الكلام الفاضي

ده.. انصراف ...

قالها بحدة فانصرف الجميع في سرعة ونظام وخوف.. إلا عبد الفتاح" الذي كان يقف أمامه مبهوراً بتصرف قائده الذكي... في الظروف العادية كان من الممكن أن يقوم المقدم "أشرف" بتعليق قادة التمرد على أعمدة الإنارة في ملعب التنس أمام زملائهم.. ولكنه نظراً للظرف الدقيق ووجود ضباط الحرس الجمهوري لم يشأ أن يظهر أي توتر في الكلية حتى لا يتم إلغاء الحفل أو تأجيله أو منع الرئيس من الحضور وكل الاختيارات السابقة كانت تعني بالنسبة له كابوساً يعقبه قرار بنقله إلى أي مكان آخر.. وهذا ما لن يستطيع تحمله.. أبداً...

كان حفل تخرج الدفعة عادياً كأغلب حفلات التخرج في كل الكليات العسكرية ولم تشوبه أية منغصات حيث شاهد رئيس الجمهورية فقرات متنوعة قدمها الطلبة في علوم القتال والدفاع عن النفس قبل أن يقلد أوائل الخريجين نوط الامتياز .. بعدها تلا مدير الكلية قرار رئيس الجمهورية بتعيين ضباط الدفعة كملازم ثان تحت الاختبار في جميع وحدات القوات المسلحة.. كان المقدم أشرف الجمل" قد أوصى بتعيينه ضابطاً مساعداً لضابط الأمن في  إحدى الوحدات القاهرية ولم ينسن أن يكتب بخط يده في ملفه الشخصي أنه أكثر ميلاً للعمل الأمني منه للعمل الفني العسكري البحت...

من ناحيته فقد استغل الإجازة الممنوحة للخريجين الجدد وزار خلالها هو وأبوه وأمه بيت عمه للاتفاق على تفاصيل الزواج من ابنته.. كان قد استأجر شقة تبعد عن بيت عائلته وقد وضح عليه تعجله في إتمام إجراءات الزواج.. كان ينفذ تعليمات " لطيف " بالحرف الواحد الذي قال له يوماً ما قبيل تخرجه:

اعمل حسابك تتجوز بسرعه عشان حياتك تستقر وتفوق من بدري لمستقبلك.. الجواز بدري ها يساعدك على الانضباط في شغلك أكثر ...

كانت وصايا "لطيف" بالنسبة له أوامر واجبة النفاذ وبخاصة عندما تلاقي هوى في نفسه.. وفي تلك المرة كانت قد أصابت هدفاً وهوى في نفسه طالما تمناه...

- ملازم ثان عبد الفتاح سعيد السيسي" يا افندم... نطقها وهو يقف انتباه أمام قائد وحدته الأولى بعد تخرجه

ابتسم قائد الوحدة الكهل في ود وهو يدعوه للحلوس

أهلاً يا سيدي.. اتفضل استريح.. أنت يظهر عليك جاي متحمس قوى.. أعرفك بقائد أمن الوحدة النقيب "محمد فهمي" قائدك المباشر.

مد يده يصافح النقيب محمد فهمى" الذي كان يبدو عليه الوسامة الزائدة بشعره الأسود الفاحم الناعم وشاربه الرفيع وعينيه العمليتين وبشرته البيضاء المشربة بالحمرة... وبدوره ابتسم "فهمي" بود وهو يبادله التحية - أهلا يا "عبده"... إن شاء الله ترتاح معانا.. سيادة المقدم " أشرف الجمل " موصيني عليك توصية خاصة وكبيرة.. وبيقول عنك كلام كتير كويس...

ابتسم بمزيج من الخجل والاحترام وهو يرد:- إن شاء الله أكون عند حسن ظنكم يا افندم..

- انت إن شاء الله عندك من بكرة دورة في العلوم الأمنية لمده شهر ودي هتأهلك بالإضافة للكلام اللي بيقوله عنك المقدم "أشرف" إنك تبقى ضابط أمن قوي ومتمرس.. دلوقتي بقى ها سباك تتعرف عالشغل مع النقيب " محمد".. اتفضلوا قالها قائد الوحدة فهنا سويا يؤديان له التحية وانصرفا إلى مكتب قائد أمن الوحدة.. في طريقهما شرح له "محمد فهمي" أساليب العمل وكيف يتم اختيار جنود وحدة الأمن وكيف يتم تلقينهم أمنياً بالإضافة إلى تجنيد بعض الجنود من السرايا والفصائل الأخرى ممن يبيدو عليهم استعدادهم للتعاون.. تحدث معه محمد فهمي" كثيراً في طبيعة عمله الجديد قبل أن

يودعه في نهاية اليوم ويتناول ورقة صغيرة على مكتبه ويدون بها عبارة واحدة فقط. الملازم ثان "عبد الفتاح سعيد "السيسي" يبدو من الانطباعات الأولى أنه سيصبح ضابط أمن جيداً..

كانت أولى خطواته في الحياة العملية قد بدأت بدفعة أخرى مثلها مثل باقي بداياته في المدرسة الثانوية الجوية والكلية الحربية.. سيذهب إلى دورة أمنية يعود منها الرجل الثاني في أي مكان سيعمل به رغم صغر سنه... فكما هو معروف دائماً أن ضابط أمن أية وحدة عسكرية له سلطات واسعة تكاد تناطح سلطات قائد الوحدة نفسه.. فالتقارير الأمنية التي يكتبها دائماً ما تكون على درجة عالية من الأهمية التي ربما تصل بها مباشرة إلى قائد اللواء أو قائد السلاح نفسه.. غير أن بعض التقارير الهامة تصل مباشرة إلى مكتب وزير الدفاع شخصياً..... 

مرت الأيام التالية عليه وقد انتظم في دراسته في الدورة الأمنية المتقدمة.. كان يستمع باهتمام في محاضراته إلى الأساليب الجديدة والمعايير التي يتم على أساسها اختيار ضباط وجنود إدارات الأمن المختلفة وطرق شق صفوف المجندين وتجنيد زملائهم عليهم وكذا أساليب انتزاع الاعترافات من الجنود على أنفسهم وعلى زملائهم وأيضاً أساليب جمع المعلومات وتخزينها وتحليلها والاستفادة منها.. كان يسمع ويتلقى محاضراته تلك بسعادة غامرة فلم يكن يتقن في حياته غير تلك الأعمال والوسائل.. حفظ أساليب السيطرة الوجدانية على قلوب وعقول الجنود وكيف يصل إلى فمه السيطرة عليهم.. كان العمل الأمني بالنسبة له هو أقصى أمانيه


كان يعرف من داخله أنه لن يستطيع الاستمرار والوصول والترقي في السلك العسكري إلا في عمل أمني يخفي فيه انعدام رؤيته وقلة خبرته بالعلوم العسكرية ويظهر فيه نبوغه في الدمن والوقيعة وإنتزاع الإعترافات ونقل المعلومات.. أضافت له الدورة الأمنية التي حصل عليها من المعارف والخبرات والمهارات الجديدة.. الآن بعد كل ما تعلمه بات يستطيع أن يدير وحدة أمن كاملة بمفرده فقط في أي مكان يعمل به.. نعم يستطيع أن يكون الآن هو

الكثير

ضابط الأمن الأول في أي مكان يلتحق به... هكذا حدثته نفسه..

...

كان النقيب "محمد فهمي" قائد أمن الوحدة التي عمل بها "عبد الفتاح" ضابطاً وطنياً يحمل مشاعر جياشة تجاه بلده.. كان من طلائع الضباط الذين عبروا في حرب أكتوبر.. مقداماً... شجاعاً.. لا يخشى الموت.. رغم ملامحه التي تميل كثيراً إلى ملامح نجم سينمائي أقرب منه إلى ضابط بالجيش إلا أنه أظهر قدرات هائلة في حرب العبور ..

 كان جدته لأمه من أصل تركي ورث عنها ملامحها الجميلة. وكان أبوه لواء بالجيش على وشك الإحالة للمعاش وهو الذي قام بنقله إلى وحدة الأمن بعد الحرب مباشرة رغماً عن إرادته فقد كان "محمد" يتمنى لو استمر مقاتلاً في سيناء مدافعاً عن حدود مصر الشرقية.. إلا أن رغبة أبيه انتصرت على رغبته في النهاية.. كان يتحسب إهانة كرامة أي جندي كباقي أقرانه من ضباط الأمن.. كان لا يستطيع أن يرى جنديا يبكي.. رغم شجاعته وإقدامه إلا أنه يحمل مشاعر مرهفة حساسة جدا تتناقض مع كونه ضابط أمن...

 وقد اكتشف عبد الفتاح" كل ذلك في الأيام الأولى لعمله مع "محمد فهمي" - يا افندم حضرتك ابن ناس أوي في تعاملك . مع العساكر

جرى إيه يا حضرة الملازم؟ هما العساكر دول بردو مش ولاد ناس؟

- أكيد يا افندم لكن مسئولية الأمن بتقول إننا لازم نتعامل معاهم بشدة و...

قاطعه "محمد فهمي" بسرعة:

- اسمع يا "عبد الفتاح".. الشدة مطلوبة لكنها لا بد ألا تمس كرامة الجندي.. اوعى تنسى

إهم بيقضوا فترة تجنيد إجباري خدمة للوطن...

- السيد مدير جهاز الموساد.. أهلا بك في بيتك الثاني...

قالها وزير الدفاع الإسرائيلي وهو يرحب بمدير جهاز المخابرات الإسرائيلي قبل أن يدعوه بيده ليحلا سويا في صالون ملحق بمكتبه...

- السيد وزير الدفاع.. دعني أثمن جهودك الدائمة ومساهماتك التي ساعدتنا كثيراً في إنجاز

عدد كبير من عملياتنا...

إنه واجبنا تجاه دولة إسرائيل يا سيدي.. إن دعم مؤسستينا لبعضهم البعض لهو سبب رئيسي في نجاح دولتنا العظمى..

واستمراراً لما تقدمه لنا من دعم.. فقد جئتك بمطلب من لجنة مشروع إسرائيل القومي في

الموساد أعلم أنك لن تتوانى كعادتك عن تلبيته...

- إذا كان في استطاعتي فأعدك ألا أتأخر عنكم لحظة واحدة... تعلم يا سيادة الوزير أن لنا رجالاً داخل الجيش المصري.. نعمل على زرعهم منذ فترة طويلة..

- بالتأكيد يا جنرال وهذه سياسة مستمرة دائماً.. - الآن أحد أقوى رجالنا ممن ذرعناهم بطريقة غير مباشرة ونعدهم لدور قوي في المستقبل.. نريده الآن أن يكون أحد ضباط الاتصال بيننا وبين المصريين في كافة التنسيقات الأمنية القادمة.. تعلم جميعاً أن هناك قنوات اتصال يرأسها قادة جيش مصريون وإسرائيليون ونأمل أن يكون رجلنا أحدهم.. - ولكن يا جنرال الجانب المصري هو من يختار ضباطه ولا نستطيع أن نفرض عليهم ضابطاً بعينه وإلا أثرنا شكوكهم؟! - لقد درست اللجنة كل شيء وستضع اسمه بين قائمة الضباط الشباب المزمع تصعيدهم حسب اتفاقنا مع المصريين.. وهو ضابط أمن وتتوفر فيه كافة شروط الاختيار .. ونأمل منك الضغط من أجل ترشيحه سأفعل يا جنرال.. أعدك أن أفعل...
الى اللقاء في الجزء الحادي عشر

الأحدث
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: