سلسة كشف الطرف الثالث" الرئيس "الــحــلــم " الجزء الحادي عشر  🦅

سلسة كشف الطرف الثالث" الرئيس "الــحــلــم " الجزء الحادي عشر 🦅


 سلسلة كشف "الطرف الثالث" الرئيس "الــحــلــم " الجزء الحادي عشر  🦅

محمد عنان - وفقا لمصدر أمنى

الــحــلــم 

داعبت نسمات الربيع ستائر غرفة نومه في هذا المساء الذي فارق فيه النوم جفونه.. كانت زوجته قد خلدت مبكراً للنوم بسبب آلام فترة بداية حملها.. بينما ظل هو يحملق في اللاشيء.

كان انعكاس ضوء بسيط على نجمتي بدلته العسكرية المعلقة على شماعة خشبية بجوار الشرفة قد فتح صندوق ذكرياته بغتة كشريط سينمائي يمر أمامه، تذكر كيف كان يعرض خدماته خلسة (بدون) علم (أبيه على يهود الحي ممن لم يتركوا مصر وقتها.. وذلك في أيام السبت التي يمتنعون فيها عن عمل أي شيء كما تنص شريعتهم.. كيف كان يطرق أبوابهم وهو ما زال دون السادسة من عمره ليسألهم إن كانوا يريدون القيام بعمل يستطيع تأديته بدلاً منهم..

 يتذكر وقتها كيف كان يضيء بدلاً منهم مصابيح الكهرباء.. كيف كان ينفض لهم غبار شمعداتهم المقدس أو يناولهم مناشفهم.. كل هذا لقاء قطعة من الحلوى أو قرشين فقط كل يوم سبت.. تذكر تشجيع أمه له على هذه الأعمال ورفض أبيه لها.. تذكر كلمة أحد العجائز له في أحد أيام السبت بعد أن فرغ من أداء طلبه عندما طبع العجوز قبلة حانية على وجنته

عبدو... انت ها يبقى ليك مستقبل عظيم جداً يا عبدو

- صحيح يا خواجة؟

أنا مش خواجة يا عبدو .. أنا مصري زيك وزي أبوك تمام ودي بلدنا زي ما هي بلدكم...

واللي بيتعامل معانا زيك كده حتى لو بمقابل يبقى أكيد هايكون ليه شأن عظيم..

يعني إيه شأن عظيم يا عم "ناجي ؟

يعني هتكون بطل مشهور أو وزير أو ممكن رئيس !

ياه رئيس ؟!

طبعاً يا حبيبي

ظلت كلمات "ناجي" العجوز اليهودي تتردد في أذنه. وهو ينظر للنجمتين المعلقتين على كتفي بدلته تذكر أحلام صباه الدائمة في امتلاك القوة والسيطرة تلك الأحلام التي كانت تصاحبه دوماً في يقظته.. والتي كان يسببها ضرب أقرانه له وهو مازال طفلاً .. 

تذكر كيف كان يهرب بنفسه إلى سطح منزلهم بعد كل علقة ليجلس وحيداً ويبدأ في أحلام يقظة يرى نفسه فيها كبيراً متسلطاً يمتلك القوة ليرد عن نفسه أذى جيرانه وزملائه كانت تلك الأحلام هى الشيء الوحيد الذي يجعله يهدأ نفسياً وينسى آلام الضرب وسخرية الضاربين.. 

الآن يرى نفسه وقد بدأ أولى خطوات تحقيق أحلام يقظته.. ولم لا وكل النبوءات التي قيلت له أصبح طريق تحقيقها سهلاً ممهداً.. وحتى أحلام نومه في الفترة الأخيرة يجد فيها نفسه دوماً محارباً منتصراً.. 

مرات عديدة برزت له عضلات مصارعين في الحلم ليست موجودة في الحقيقة.. كثيراً ما صارع أعداءه بسيف لامع كمحاربي العصور الوسطى !... 

الآن يرى نفسه يقترب أكثر من تحقيق أحلام يقظته ونومه بعد أن أصبح ضابط الأمن الوحيد في وحدته وبعد أن قام باختيار مجموعة من أقوى وأطول الجنود في الوحدة يسيرون دائماً خلفه ليعوض بهم النقص الشديد لديه.. ساعدوه على بسط هيبته وسيطرته أكثر على كل من في الوحدة...

يمر بين جنبات كتيبته فيلازمه جنوده كظله.. يبثون الرعب منه في كل النفوس.. ينسجون حوله الأساطير ويتناقلون حكايات تنكيله بالجنود المشاغبين وصف الضباط المتكاسلين وحتى زملاؤه من الضباط المتمردين أو المعارضين.. رفع تقارير عن أكثر من خمسة ضباط ممن عارضوا مبادرة الرئيس السادات للسلام مع إسرائيل.. لم يعد أحد من زملائه يتحدث في وجوده...

ورغم أنه تقريباً أحدث ضابط بالكتيبة إلا أنه صار عفريتاً يخشاه الجميع.. ما إن يدخل على ضابطين يتحدثان حتى يقسمنا تماماً.. وأحيانا يتفرق كل منهما في اتجاه! وعلى الجانب الأخر كانت تقاريره التي يكتبها بخط يده والتي يعنونها دائماً بعبارة سرى للغاية قد بدأت تصل إلى أعلى ضابط أمن في السلاح نفسه.. والأهم من ذلك أنها بدأت تحد طريقها إلى قائد المخابرات الحربية نفسه! ولم لا وقد كانت تحتوى دائماً على ملاحظات سياسية تشوب أداء الضباط وتحمل دوماً توجهاتهم الفكرية تجاه نظام السادات نفسه!...


كان قد بدأ يتقن لعبته جدا.. بات يعرف أن الترقي والشهرة والوصول الأسرع يمر عبير تقاريره السرية السياسية في كل من حوله وخصوصاً الضباط.... هو الآن في انتظار نجمة ثالثة يعلم أن أمرها لن يطول لو استمر على طريقته في العمل.. وهو ماضي في طريقه لن يعيقه شيئ.. أبداً...

بوسطة ... الخواجة لطيف..

نطقها ساعي بريد الموسكي وهو يقف على باب محلات لطيف الضخمة في قلب الحي التجاري لمزدحم فأوقفه أحد عمال المحل بيده يطلب منه تسلم الخطاب...

لا يا أخينا.. دا لازم يستلمه بنفسه... (نطقها ساعي الجريد بثقة حسبما اتفق معه الخواجة لطيف من قبل بنفسه.. مد عامل المحل بصره إلى المكتب حيث يجلس الخواجة

لطيف الذي أشار له بيده ففتح الطريق ليمر الساعي إلى حيث يجلس "لطيف"... عم "لطيف" جواب من بلاد برة.. ربنا يكثر من جواباتك.. ماتنساش بقى الحلاوة بتاعتي

نطقها ساعي البريد في نفاق اعتاد عليه دوماً كثمن زهيد يقدمه لقاء المبلغ الشهري السخي الذي يمنحه له "لطيف" مقابل خطاب واحد شهرياً يصله من أحد أكبر البنوك الغربية كما يتضح من عنوان راسله..

 مبلغ يساوي ضعف ما يتقاضاه الساعي من هيئه البريد شهرياً!... مد "لطيف" يده إلى درج مكتبه وأخرج منه مبلغاً من المال وضعه في يد الساعي وهو يتسلم باليد الأخرى خطابه الشهري.. قبل أن يودع الساعي بابتسامة ودودة خرج بعدها الرجل يدعو له في العلن...

وضع لطيف خطابه بلا مبالاة على المكتب أمامه.. وعاد لاستكمال عمله وهو يلف رأسه في خبث بين العاملين معه.. كانت الأسئلة تعتمر في رأسه.. ماذا يريد منه أصدقاؤه هذه المرة؟.. وهل هناك ثمة عمل جديد؟.. وماهوا  تقييمهم للتقرير الأخير الذي أرسله هم عن تطورات حياة وترقي وزواج "عبد الفتاح" من قريبته؟...

بعد ساعة كان موعد راحة الغداء اليومية لعمال المحل ووقتها استأذنه الجميع في ساعتهم المعتادة وانصرفوا بينما ظل حالماً بمفرده وما إن هدأت الحركة حوله تماماً حتى فض الخطاب بيده بسرعة وبدأ في فك شفرته قبل أن ينعقد حاجباه في دهشة.. ولم يلبث أن فاق بسرعة من دهشته ليقوم بحرق الخطاب تماماً كما تقتضى التعليمات المستديمة ويرمى رماده في دورة المياه الخاصة  قبل أن يعلو الاطمئنان خلجاته وهو يسحب ذراع السيفون لتذهب المياه بالرماد إلى حيث المقبرة  الأخيرة للخطاب...

  • مقبرة بلا جثمان ...

أنا مش فاهم يا افندم يعني إيه ضابط صغير زي ده يترشح للجنة أمنية على مستوى عالي زي دي؟!

  • نطقها العميد خالد حماد" نائب مدير المخابرات الحربية في دهشة وهو يشيح بيده في إنكار أمام مديره الذي ابتسم ببرود وهو يرد متظاهراً بعدم الاكتراث

دي التعليمات يا "حماد".. القوائم دي مش احنا بس اللي بنختارها .. انت عارف كويس قوي إن في جهات عليا بتضيف أسماء على اختياراتنا .. لكن صدقني الولد يستاهل يشارك في لجنة زي دي...

(بدهشة أكثر) ولد مين يا افندم اللي يستاهل ينضم للجنة التنسيق الأمني بينا وبين اليهود؟!.. دا لسه ما علقش نقيب.. دا غير إنه مش على مستوى باقي ضباط اللجنة.. دي تعليمات عليا زي ما قلتلك يا "حماد"

-

أيوه با افندم التعليمات العليا إزاي ترضى بإن لجنة فيها عمداء وعقداء من جهاز المخابرات العامة بالإضافة لقيادات من مختلف فروع الأمن الحربي.. ويترأسها المخابرات العامة..

 نضيف لها ضابط أمن وحدة عسكرية عادية وكمان ملازم أول ؟!... ما تنساش إن اليهود قبل تشكيل اللجنة المشتركة كان ليهم مجموعة من الشروط و القيادة السياسية وافقت على كل شروطهم وكان من ضمنها وجود عنصر شاب أو أكثر ضمن تشكيل اللجنة...

ما هو يا افندم مافيش أي مشكله في اختيار ضابط شاب من الكفاءات ويكون رائد

حديث أو عالأقل نقيب من ظباط إدارتنا نفسها والكفاءات عندنا كتير وبعدين معاك يا "حماد"؟! مش قولنا إن في اختيارات أعلى مننا؟ معنى كلام سيادتك إن الضابط الصغير ده اختياره كان من فوق؟!

-

طبعاً.. وإن كنت ما زلت مصمم إن الولد كفء للمهمة.. وانت بنفسك عارف إن شغله في الشهور اللي فاتت كان ممتاز وتقاريره السرية هايلة وممكن يكون ده السبب في ضمه للجنة...

-

شغله ؟! حضرتك واثق إن شغله فقط هو اللي رشحه للاختيار المهم ده؟!

ربما

نطقها مدير إدارة المخابرات الحربية بطريقة مقتضبة محاولاً تجاوز تلك النقطة في الحوار مع نائبه الذي زفر في ضيق قبل أن يشرد ببصره عير نافذة المكتب...

فطبقاً لخيراته الطويلة في المخابرات الحربية كان الموضوع كله يؤكد أن هناك شيئاً ما غامضاً وغير مفهوم.. فكيف بضابط لم يمض على تخرجه من الكلية الحربية عام واحد ويتم اختياره

عضواً بلجنة تنسيق أمني بين مصر وإسرائيل بعد حرب شرسة لم يشارك حتى فيها؟! شيء ما في داخله كان يؤكد أن هذا الاختيار وراءه لغز ما .. شيء ما في داخله يرفض ترك الأمر بدون الوصول لحقيقته...

ووقتها قرر "خالد حماد" الوصول إلى الحقيقة ...

مهما كلفه الأمر..

"عندي ليكي مفاجأة ها تسعدك جداً "

نطقها "لطيف" بحب وهو يضم "سميرة" إلى حضنه.. التي هللت بفرح: تبقى وافقت إننا نتبنى طفل من جمعية أم النور ....

لا يا حبيبتي احنا خلاص كبرنا على تبني طفل.. وبعدين احنا اتكلمنا كثير في الموضوع ده.. وانتي عارفة إني مش عاوز حاجة تشغلك عني.. وكمان أطفال الجيران ليل نهار عندك وتقريباً إنتي بتراعيهم أكثر من لو كنتي أمهم...

غريبة ؟! مش بتقول إنها مفاجأة هاتسعدني؟!.. في إيه تاني يسعدني غير إلى أتبنى طفل

من ملجاأ أيتام.. يبقى ابنى ويقولي يا ماما؟


في حاجة تاني أحسن من كل أطفال الدنيا

إيه هي يا ترى؟

ها نروح نزور قد يسوع.. ها نسافر القدس تحج

قدس؟! حج ؟! مش المفروض إن البابا شنودة" رافض سفرنا للحج بسبب الاحتلال

الإسرائيلي ؟؟

انتي عارفة إن بعد مبادرة السلام بقى في توجه قومي للسفر للقدس.. الرئيس بنفسه اللي طلب من كل الأقباط إنهم يسافروا...

-

  • وهو احنا مش المفروض نطيع البابا ومانعصيش أمره ونقدم كلامه على كلام الرئيس؟! يا ستي البابا على عيني وراسي .. بس أهي فرصة ومش ها نخسر حاجة تحضر عيد القيامة

في القدس ونزور الأماكن المباركة هو أسبوع واحد وأهو بالمرة تغير حو...

-

یاه؟! دا انت شكلك كمان سألت على برنامج الرحلة وتفاصيلها؟! وحجزت كمان يا ستي هنسافر بعد يومين مش كان نفسنا من زمان نزور قبر المسيح؟

دي فرصه مشها تتعوض ومش عارفين اللي جاي إيه... طبعاً الحج فرصة مش بتتكرر كثير لكن أكيد البابا عنده حكمة من رفض سفر شعب الكنيسة.. وانت عارف ان اللي بيعمله اليهود في الفلسطينيين مش قليل... إحنا مالنا ومال الفلسطينيين ؟!.. بقولك إيه جهزي العشا بقى وما تكسريش فرحتي بزيارة قبر الرب...

ما إن إنصرفت زوجته لتجهيز العشاء حتى دلف إلى شرفة منزله ومد بصره يتطلع إلى القاهرة القديمة ليلا.. كان أهم جزء في خطة استدعائه إلى تل أبيب قد تم تقريباً على خير 

 فها هي زوجته قد وافقت تقريباً على السفر معه إلى رحلة الحج كما اقتضت تعليمات الرسالة التي وصلته والتي كانت تطلب منه القدوم مع فوج الحجيج المسيحيين من القاهرة إلى القدس الأمر حداً.. هام

كان لطيف قد أصبح من التجار الكبار في الموسكي.. وما زال مستمراً في تلقي خطابات الشفرة من الضابط "يوسف" والتي يسأله فيها عن أسئلة محددة تخص الضابط "عبد الفتاح" وعائلته وأسرته.. أسئلة كثيرة متنوعة عن كل ما يسمعه من عبد الفتاح" في لقائه الأسبوعي معه وعن ظروف حياته بعد الزواج وظروف عمله وحالته النفسية والمادية وعلاقته بأهله وحتى عن حالة أبيه المادية.. وأشقائه.. وشقيقاته وظروف معيشتهم وحتى بيانات أزواجهم... تفاصيل وإن بدا له بعضها بعيداً عن "عبد الفتاح نفسه إلا أنه كان يجيب عنها دوماً في خطاباته التي يرسلها بانتظام رداً على الخطاب الذي يصله...

  • كان الاستدعاء لأول مرة لإسرائيل نفسها وإن كان مرعباً ومخيفاً إلا أن توقيته والحجة التي سيير بها لمن حوله ذهابه إلى القدس كانت مطمئنة بالنسبة لها إلى حد كبير ولا تبعث على أي شك..

 وكان وجود زوجته معه ضرورة للتدليل على صدق ذهابه إلى إسرائيل كأي حاج قبطي مصري فاض به الشوق لزيارة قبر المسيح وانتهز تطور العلاقات بين مصر وإسرائيل وهدوء الأوضاع لقضاء رحلة الحج... غير أنه تمنى في قرارة نفسه أن تكون أسباب استدعائه على قدر مخاطرته بالسفر إلى إسرائيل ولذلك لا بأس إذن من السفر .. طالما كان ينطوي على أمر هام.. غير أن الأهم أنه مأمون العواقب..

عسكري الكانتين يا افندم "

نطقها أحد جنود وحدة الأمن وهو يؤدي التحية العسكرية للضابط "عبد الفتاح".. الذي رفع رأسه عن الورق الذي يخطه بيده وعلى قلمه جانباً وهو يشير بيده للجندي إشارة مفهومة خرج بعدها جندي الأمن ليدخل ومعه العسكري المسئول عن الكانتين والذي يتم اختياره دوماً عن طريق الضابط المشرف على كانتين الوحدة...

غير أنه من المعروف أن كل وحدة تقوم بإدارة الكانتين الخاص بها بالطريقة التي يضعها فائد الوحدة أو من يليه في النفوذ والسيطرة داخل الوحدة.. والكانتين بشكل عام تشكل أرباحه أحد الموارد الهامة في أغلب وحدات الجيش وتأتي أهمية موارده في كونها بعيدة كل البعد عن رقابة الشئون المالية للقوات المسلحة.. وغالباً ما يتم صرف أرباح الكانتين على ترفيه جنود الوحدة كما تؤكد السجلات المالية الخاصة بكل وحدة...

تطلع الضابط "عبد الفتاح" بسرعة في هيئة عسكري الكانتين قبل أن يوجه له سؤالاً ساخراً:

کل دا كرش يا ابن الوسخة؟!

يطأطئ، الجندي رأسه وهو يردد في نفاق خافت:

فضلة خيرك يا افندم

خيري؟ خيري مين يا ابن الكلب؟ دا انا مسكت الكانتين من أسبوع واحد بس...

أرباح الشهر ده ها تبقى كام؟

ثواني يا  فندم أحيب لسيادتك دفتر المالية

لا دفتر إيه؟ أنا مش بتاع دفتر ؟ أنا هاقولك .. أرباح الشهر اللي عازوها من غير ما أشوف الدفتر !..

انت كنت قلت لي الشهر اللي فات الكانتين كسب كام مع النقيب "عزت"؟ كسب 200 جنيه يا افندم أرباح صافي بعد المصاريف

تمام.. الشهر ده بقى أنا عاوز 1000 جنيه أرباح

ارتفع حاجبا الجندي من فرط الدهشة قبل أن يهتف: مش معقول يا افندم...

يصرخ في وجهه

أنا مش بـ تفاوض معاك يا روح امك.. دا اسمه أمر .. أمر عسكري ولازم يتنفذ..

الكانتين الشهر ده يكسب 1000 جنيه إزاي ما اعرفش.. قدامك يومين تكون ظبط أمورك وتيحي تديني تمام بتنفيذ الأمر.. تزود بقى أسعار السندوتشات.. أو ترفع أسعار السجاير والبيبسي.. ما يهمنيش.. اللي يهمني توصل آخر الشهر للمبلغ اللي قلته ومن غير دفتر مالية! 

دفتر المالية ده تدون فيه ال 200 جنيه بس.. غير كده تغور بكرشك بره الكانتين ونشوف عسكري تانى يديره ويجيب الـ 1000 جنيه.. مفهوم؟ انصراف ...

يسأله الجندي في خوف وتردد:

طيب ولو العساكر ما عجبهمش رفع الأسعار واشتكوني لقائد الوحدة يا افندم؟! تلمع عيناه ببريق مخيف وهو يرد ببطء على العسكري:

قائد مين؟!.. ماتخافش.. أنا المسئول...

ما هو أصل يا افندم... فيصرخ فيه بشدة:

انصراف ..

ينصرف الجندي بسرعة منكس الرأس في رعب.. وهو يفكر في ذلك الضابط الجشع الذي يدو أنه سيكتب نهاية عهده في العمل بكانتين الوحدة.. فرغم أن أرباح الكانتين بالفعل كبيرة قياساً بباقي الوحدات بسبب زيادة عدد الجنود من ذوي التعليم العالي والذين لا يتناولون الطعام الميري سيء الصنع ويفضلون عليه طعام الكانتين المدني إلا أن الأرباح الشهرية من المستحيل أن تتخطى حاجز المئتى جنيه بأي حال من الأحوال..

 ولو حاول أن يرفع أسعار الأصناف ربما يرفض الجنود شراء شيء وتكون وقتها العواقب وخيمة.. ولو قاموا بشكواه لقائد الوحدة ربما لن يفي الضابط وقتها بوعده المطمئن وسيرفع يده عنه ويتركه يواجه محاكمة عسكرية ربما تتسبب في سحنه وزيادة مدة تجنيده وبالتالي عرقلة مستقبله.. وما إن ابتعد عن مكتب الأمن حتى أطلق الجندي سباباً سوقياً بحق ضابط الأمن أفرغ فيه غيظه.

على السادة للمتجهين إلى تل أبيب عبر رحلة طيران العال رقم 330 التوجه إلى ممر المغادرة

الرئيسي" نطقتها مذيعة مطار لارنكا بقبرص كنداء أخير قبل إقلاع الطائرة المتجهة إلى إسرائيل..

وقتها كان التوتر قد بلغ مبلغه مع سميرة التي كانت تتعجب وقتها من كم الهدوء الذي بجدى على  زوجها...

ما إن هبطت الطائرة في مطار بن جوريون حتى زاد توترها وخوفها.. كانت "سميرة" بالفعل تشعر بأنها لأول مرة تلتقي بالعدو وجهاً لوجه.. بينما كان "لطيف" يلتقط بعض الصور مع زملاء رحلته من الحجاج الأقباط والسعادة تزين وجهه!

 كان يضحك ويمرح وكأنه في رحلة إلى الإسكندرية لا في رحله لإسرائيل!

كان "لطيف" قادراً تماماً على أن يخفى أي توتر أو مخاوف بداخله.. كان محترفاً في هذا الموضوع بحق فمن ن كان يشاهده من بداية الرحلة في مطار القاهرة لا يشعر إلا أنه أحد الحجاج الأثرياء المشتاقين بحق إلى زيارة قبر المسيح.. وها هو في مطار تل أبيب بيت شعوراً من حوله بسعادته الطاغية غرير عالي بكونه في إسرائيل للمعادية.. وعلى مقربة منه كانت هناك عيون كثيرة تراقيه عن كتب وتتحين الفرصة لتوصيل التعليمات الجديدة له.

أنا هارتاح شوية من تعب الرحلة لو عاوز تنزل لوحدك انزل... نطقتها سمروة بتكاسل ففتح لطيف" فمه متصنعاً الدهشة ليخفي فرحه بقرار زوجته والذي سيجعله يقابل رجال الموساد بدون أية قيود أو قلق من كونها بجواره...

زي ما تحبي.. ارتاحي وانا هانزل ألحق بروجرام الرحلة من أوله.

نطقها وهو يعلق كامرته الخاصة في رقبته ويفتح باب الغرفة ليخرج.. في بهو الفندق كان متأكداً تماماً بأن ضباط الموساد ينتظرونه.. دقيقتان مرتت عليه بساعات قبل أن يقدم له أحد عمال الفندق مشروباً مثلجاً وهو يقترب منه ويقول له بصوت منخفض...

سياره بيفا خضراء بانتظارك خارج بوابة الفندق الرئيسية. لم يندهش لكلام العامل وتوجه من فوره إلى البوابة الرئيسية وما إن وجد السيارة حتى دلف إليها قبل حتى أن يفتح له أحمد الباب أو يدعوه للركوب ..

نورت أرض الرب يا خواجة "لطيف"؟

علقها الرائد يوسف بلهجة مصرية ودودة.

أرض الرب منورة بأهلها يا سي يوسف.. قالها "لطيف" وهو يتلفت حوله في الطريق يمنة

ويسرة حتى ضحك "يوسف" بشدة:

انت بتلفت حواليك ليه؟ احنا مش في قبرص .. هنا بيتنا أدون "لطيف".. ماتقلقش. هو احنا ها نروح فين؟

تعبيراً عن شكر دولة إسرائيل العميق لجهودك وخدماتك هاتكون ضيف على السيد رئيس جهاز الموساد شخصياً وهو بنفسه اللي ها يقدم لك الشكر.. وبعدها ها نقعد سوا نتكلم أنا وانت...

لمعت عينا "لطيف" من الدهشة وهو ينظر بفرح لـ "يوسف" الذي اكتفى بإيماءة مؤكدا برأسه وهو يقود السيارة بأريحية واطمئنان تسربا إلى "لطيف" فغاص بدوره باطمئنان في مقعده والسعادة والفخر يملأن قسماته...


الى اللقاء في الجزء الثاني عشر 


المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: