بقلم نيوتن
فى الثقافة الشعبية المصرية نوع من الكراهية للمرآة. بعض المصريين يعتبرون النظر إليها زهواً بالنفس. هناك أمهات ينصحن بناتهن بألا ينظرن للمرآة. البعض يتحدث عن أن هذا يسبب لعنة. أرى ذلك هروبا من الذات. فراراً من النفس. هذا هو أكثر أنواع الهروب المصرى انتشارا.
نحن لا نواجه ذاتنا. نلقى بالعبء دوما على كاهل آخر. لا نرغب أبداً فى تحمل مسؤوليات ما يواجهنا من مشكلات. لا نعترف أبداً بأن العيب أو بعضه قد يكون فينا. يمتد هذا المرض الاجتماعى السقيم من أول معالجة مشكلات نظافة الشوارع إلى التعامل مع الأزمات الكبرى التى تواجه الدولة والمجتمع.
أطفالنا لا يتطورون، ليس لأن البيوت لا تدير طاقاتهم وإمكانياتهم بالطريقة الصحيحة.. إنما لأنهم يعانون نظاماً تعليمياً فاشلاً. قد يكون هذا صحيحاً من جانب.. ولكن الأصح أيضاً أننا، عائلياً، نلقن أبناءنا قيما تهدر ما لديهم من فرص إبداع ونمو. نكبتهم. نقهر حريتهم. نطوقهم بالقيود. تذبل عقولهم. تموت روح المبادرة داخلهم. تتلاشى احتمالات نبوغهم.
فى الأزمة التى تواجه البلد الآن ألقينا العبء أولاً على النظام السابق. انتهى هذا النظام منذ أشهر إلا أننا نعلق على شماعته كل الكوارث. نعتقد أن سجناءه فى طرة هم الذين يدبرون المكائد من داخل الزنازين. يروج بيننا أن الأثرياء المحابيس يمولون ما نطلق عليه الثورة المضادة. أقنعنا أنفسنا بأن دولا تضهدنا ولا تريد لنا أن نتقدم خطوة للأمام.
لا أستطيع أن أفهم كيف يمكن أن نتحول إلى ألعوبة فى أيدى الآخرين.. إذا كنا نعرف وندرك أنهم يلعبون بنا، لماذا نستسلم لهم إذا كان هذا صحيحا؟!
حين بليت حجة مسؤولية النظام السابق أطحنا بالمسؤولية على المجلس العسكرى الأعلى. أصبح فى الإعلام مسؤولاً عن كل كارثة.. ربما هو مسؤول كذلك عن انخفاض درجة حرارة الجو وانتشار الصقيع لأنه لم يوزع على المواطنين ما يكفى من أغطية للتدفئة! بمضى الوقت تم تهويل الأمر وصولاً إلى تعليق جميع مشكلات مصر منذ ستين عاما فى رقبة العسكرية برمتها. ليس المشير وحده. ليس المجلس العسكرى من بعده. ليس الجيش بإجماله.. بل كل ما له علاقة بالعسكرية!
أثناء ذيوع هذا القدر الأحمق من التخبط تتلبسنا حالة من الإنكار. نتغافل الحقائق. نتجاهل شموس التاريخ. نظام يوليو لم يؤمم قناة السويس. لم يحول الدولة إلى نظام جمهورى. لم يحرر البلد من الاحتلال. لم يخض حرب الاستنزاف. لم يحقق نصر أكتوبر. ليس هو الذى خاض مجموعة حروب من أجل قضية فلسطين. لا نستحضر هذا فى أى نقاش. حوّلنا كل ما هو عسكرى إلى خصم يجب مواجهته. المجتمع يستنزف رصيده.
سوف يخلى المجلس العسكرى الأعلى مسؤولياته فى نهاية يونيو المقبل. مصر لن تصبح مختلفة يوم أول يوليو ٢٠١٢. سوف تشرق شمس عصر جديد.. لكن هذا لا يعنى أن البلد سوف يتغير بين يوم وليلة. قد لا يتغير أصلا حتى لو جاءت الانتخابات الرئاسية بنبى يقود البلد بعد أن انتهى عصر الأنبياء. المشكلة تكمن فينا جميعا.. ولابد أن نواجه الحقيقة التى لا يمكن تخطيها.. لابد أن نصلح ما فى أنفسنا.
كيف ترتقى دون أن تجتهد؟ كيف تغتنى دون أن تعمل ويكون لديك رأسمال؟ كيف تقبض راتبا مريحا دون أن تنتمى لشركة ناجحة؟ كيف تنجح الشركة إذا لم تذهب إليها فى موعد أداء وظيفتك؟ كيف يتحرك الاقتصاد ونحن نتفرج عليه؟
كيف تصعد البورصة بينما نثير الشغب فى الشوارع؟ كيف نلتئم ما لم نتصالح؟ كيف نصنع المستقبل فى بلد يهدم التاريخ؟ كيف يحترمنا الآخرون ونحن لا نحترم أنفسنا؟ كيف يسود القانون ونحن جميعا نبدع فى التهرب منه؟ كيف نحارب الفساد إذا كان أغلبنا يعتمد على الرشوة؟ كيف يصبح هذا البلد حرا وكلنا نصادر حق الآخرين فى أن يكونوا أحراراً؟ كيف تريد أن تصبح جزءا من عالم متحضر وأنت ترفض قيمه؟
لن تغيرنا حكومة. لن يبدلنا رئيس. ستغيرنا ذاتنا إن قسونا عليها. ستبدل أحوالنا أيدينا إن وجهناها إلى الصواب. سوف ندرك حجم المشكلة وتشخيصها إن واجهنا حقيقتنا. سوف نصنع المجد إن اجتهدنا. سوف نستعيد التاريخ إن احترمناه أولا.
0 Comments: