#سلسة_كشف_الطرف_الثالث" الرئيس "مـسـوغـات الـتـعـيـيـن  " الجزء التاسع  🦅

#سلسة_كشف_الطرف_الثالث" الرئيس "مـسـوغـات الـتـعـيـيـن " الجزء التاسع 🦅

سلسلة كشف "الطرف الثالث" الرئيس "مـسـوغـات الـتـعـيـيـن  " الجزء التاسع  🦅

محمد عنان - وفقا لمصدر أمنى
Follow @3nan_ma

 مسوغات التعيين 

أول سبتمبر

..1973

كانت مصر تتأهب على ما يبدو لحدث جلل.. السادات يناور كالعادة.. يشكو من قلة عتاده العسكري أمام الكاميرات بينما يعد للمعركة في الخفاء..

وقد كان يبدو للجميع أن الرجل استنفذ كل خياراته ...

فالغضب من استمرار احتلال سيناء كان قد ملأ الصدور .. عفواً.. ملأ أغلب الصدور ...

وليس كل الصدور !

فهناك دائماً من لا يتمنى وقوع الحرب.. حتى لو كانت من أجل التحرير !...

يومها استقبله "لطيف" يوجه باسم:

- يعني قبلت في الحربية يا «عبد الفتاح».. ألف مبروك

قالها وهو يحتضنه بشدة ويمسح خيط دموع وهمي متصنعاً التأثر والبكاء...

- ما هو الفضل ليك يا عم "لطيف"...

قالها ببرود

متصنعاً الود.. لاحظ "لطيف" تصنعه ولهجته الباردة...

انت شكلك مش مبسوط ليه؟!.. اوعى تكون نفسك كبرت على عمك "لطيف" - لا طبعاً .. أنا لو اتكبرت على الناس كلها مش ها تكبر عليك...

نطقها متململا قبل أن يستطرد مبتسماً:

بس اوعى تنسى.. عاوز واسطة جوا الكلية بأي طريقة...

ضحك "لطيف" ضحكة عالية تشوبها السخرية

- نعم انت خلاص ما بقتش محتاج واسطة .. انت عارف طريقك كويس.. بقى بعد اللي عملته في الثانوية الجوية جاي تقولي واسطة ؟!.. دا انت كنت واصل هناك أكثر من

أولاد الطيارين الكبار نفسهم !...

- معلش.. لكن الأمر ما يسلمش.. أنا ما اعرفش حد في الحربية ولازم يكون لي واسطة تحميني وتسهل لي الأمور

بثقة يرد لطيف

... أنا عامل حسابي على كل حاجة.. وسهلت لك واسطة لضابط كبير - ماتقلقش.. هناك.. واحد بعتلة اسمك وهو اللي ها بيعت لك.. هو عمك "لطيف" ممكن يسيبك للمجهول كده؟

ربنا يخليك يا عم "لطيف".. هو بالمناسبة.. إيه أخر أخبار الحرب؟ المفروض أنا اللي أسألك انت راجل عسكري دلوقت

قالها بخبث وهو يغمز له بعينه ثم يضحك بشدة...

ما انت عارف إني مش متابع.. لكن سمعت كده إن الحرب قربت

ممكن.. لكن مصر مش جاهزة للحرب.. والسادات كل شوية يقول السنة دي هنحارب وما بيجاريش.. ووضح جداً إنه فقط بيحاول يمتص الغضب وبيهدي الناس كويس أوي.. انت عارف إني مش عاوز اشترك في الحرب..

بالعكس لو السادات حارب وانت لسة طالب هايبقى أحسن لأنك وقتها مش هتشارك في الحرب!

ظهر عليه عدم الفهم فسأله بسرعة:

وبعدين معاك بقى يا عم "لطيف هيحارب؟ والا مش ها يحارب؟

ها نشوف...

قالها وهو ينظر إلى الفراغ وقد ظهر عليه الانشغال التام بالتفكير في الأمر فالأمر بالفعل كان يشغله تماماً.. وبالنسبة له الأمور مبهمة جداً.. حتى إنه لم يكن مقتنعاً تمام الاقتناع بما قاله لـ «عبد الفتاح» عن السادات منذ قليل.. لم يكن مقتنعاً تماماً ...

كان «عبد الفتاح» يبدأ خطواته الأولى كطالب في الكلية الحربية... كانت كل الأطراف قد ساهمت في قبوله بالحربية.. أطراف داخلية مباشرة يعرفها جيداً وأخرى خارجية لا يعلم عنها أو عن مساهماتها شيئاً..

الآن أرتدي بدلة الضابط المنتظر .. المجد الذي تمناه طيلة عمرة بات قريباً...

كان الصول "جمال" قد أوصى عليه كل من يعرفهم بالكلية بدءاً من الضباط ومروراً بمساعد تعليم الكلية وقد كان بالصدفة زميلاً قديماً له.. وانتهاء بعض الطلبة القدامى في الكلية الذين كانوا قد تخرجوا من المدرسة الجوية

 عارف يا عبد الفتاح؟.. كلمة السر في الكلية الحربية موجودة في مكتبين بس مكتب رئيس فرع الأمن الرائد "أشرف الجمل" ودا راجل مش سهل ومفيش سكة بيني وبينه.. ومكتب الصول " سعد" مساعد تعليم الكلية الحربية ودا معرفتي بيه قوية و بشوية هدايا صغيرة في البداية اعتبره في جبيبك! 

تذكر تلك الكلمات وهو ينهي أول طابور له في الكلية قبل أن يسمع اسمه الطالب "عبد الفتاح سعيد حسين"

نطقها أحد ضباط الصف وهو يوجه سؤاله إلى الطلبة المستجدين...

رفع يده في تردد وخوف وهو يرد:

افندم

- تعال يا «عبد الفتاح»

مشى جوار الشاويش وهو يسأله:

هو انا عملت حاجة يا افندم؟!

- مش عارف والله.. رئيس فرع الأمن عازوك ضروري.. أنا ما عنديش فكرة

ما إن سمع وظيفة من يريده حتى شعر بتوتر شديد.. هو يعرف أن ضابط الأمن منوط به التحري عن كل الطلبة ولكنه يعرف أن ملفه ليس به ما يعيبه أمنياً وأنه يحظى بواسطة قوية..

 انتزعه من أفكاره هتاف الشاويش فجأة على باب رئيس فرع الأمن:

- الطالب " عبد الفتاح سعيد حسين " يا افندم

انتفض مع سماعه لاسمه وهو يُساق إلى مجهول ولا يدرى ما الذي يستدعى أن يطلبه رئيس فرع الأمن في الكلية...

أومأ الرائد " أشرف الجمل " نصف إيماءة برأسه للشاويش الذي صرخ في "عبد الفتاح الذي كان يقف بجوار باب مكتبه من الخارج

للشمال در .. معتاداً ما ارش

نفذ تعليمات الشاويش ليجد نفسه مرة واحدة أمام رئيس فرع الأمن في الكلية الحربية الرائد " أشرف الجمل" أو " الفك المفترس" كما يُطلق الجميع عليه... كان الرجل بارتفاع المترين تقريباً .. عريض المنكبين ذا شعر أسود فاحم وبشرة قمحية تميل إلى السمرة.. كان يقف وقتها خلف شرفة مكتبه التي تطل على الفناء الرئيسي للكلية يتابع حركة الطلبة من خلف الزجاج وبجواره لوحة زيتية معلقة على الجدار ويتوسطها قيود حديدية لامعة!.. 

التفت إليه بهدوء:

- انت "عبد الفتاح سعيد حسين السيسي"

بتوتر شديد وعيناه مركزتان على الأرض يرد بصوت منخفض:

تمام یا افندم

يصرف الشاويش بنظرة من عينيه قبل أن يدعو عبد الفتاح للجلوس

اقعد يابني

مالك مكسوف وخايف كده ليه؟! انت عامل جريمة؟

يزداد توتره وهو يرد:

ابداً والله يا افندم ما عملت حاجة

- خلاص يبقى ترفع راسك كده زي الرجالة.. انت مش راجل واللا إيه؟

- راجل طبعاً يا افندم...

هو سيادة اللوا " سعيد طاهر " يقربلك إيه؟

قرابة من ناحية الأم يا افندم.. ابن خال والدتي ..

كان ينفذ ما أوصاه به "لطيف" حرفياً فقد طلب منه هذه المرة أن يؤكد على أن

اللواء سعيد طاهر" قريب لوالدته إن سأله أحد عنه..

- عظيم.. في أول أجازة ابقى بلغه خالص تحياتي.. وأي حاجة مضايقاك هنا تقولي عليها فوراً..

أشكرك يا افندم

لا تشكرني دي بقى مش وقتها .. انت أول طالب في دفعة المستجدين يجى بمكانك ده

عارف ده معناه إيه؟

لم يرد لأنه لم يكن يعرف رداً لما سمعه فتابع الرائد " أشرف ":

- معناه إنك بقيت الراجل الأول بتاعي في وسط الدفعة الجديدة.. مكتبي مفتوح لك باستمرار وهتلاقيني جنبك ومعاك في أي مشكلة.. اللواء "سعيد" وصاني عليك وفهمني إنك طالب مجتهد و مطيع وبتسمع الكلام.. وإنك ها تساعدني كثير ..

رد بسرعة في حماسي: تحت أمرك يا افندم

كويس.. انت بقى كمان متحمس.. عاوزك تنقل لي كل اللي بيحصل في وسط زملاء دفعتك.. طبعا فاهمني؟

ازداد حماسه بعد سماعه ما يقوله رئيس فرع الأمن وقد بدأ يشعر أنه سيستأنف ما بدأه في المدرسة الجوية.. ما يعني أن أيامه في الكلية الحربية ستكون سهلة

ميسرة بفعل الخدمات الأمنية التي سيقدمها للرائد "أشرف" فرد بسرعة:- أكيد طبعاً يا افندم

- عاوزك تبقى عيني اللي هاشوف بيها تصرفاتهم.. تبقى ودني اللي هاسمع بيها كل كلمة ها يقولوها مع بعضهم.. فاهم؟

فاهم يا افندم

قبل أن يضيق الرائد " أشرف الجمل " الفارق بين عينيه وهو يقطب حبينه ويضغط حروف كلماته بشدة وهو يستطرد:

- خد بالك.. أنا عيني لو ما عرفتش أشوف بيها باحرقها بايدي!.. أظن انت فاهمني كويس

فرد خائفاً:

- مفهوم یا افندم.

- دلوقتي تقدر تنصرف وهانتظر منك شغل في أقرب وقت.. ومش ها وصيك على السرية التامة في كل حاجة وطبعاً مافيش دبانة تعرف اللي دار بينى أنا وانت... ودا طبعاً لمصلحتك أولا.. مفهوم؟

انتزعته عبارات الرائد " أشرف" من سيل أفكاره فنهض واقفاً وهو يؤدي التحية العسكرية في مهابة

- مفهوم یا افندم

انقشع خوفه بمجرد خروجه من مكتب رئيس فرع الأمن.. وبدا وكأن قلبه سيتوقف من شدة الفرح.. فها هو يتسلم وظيفته الجديدة في العمل الوحيد الذي يتقنه.. ولا يعرف غيره... وظيفة ستمكنه من العبور بسهولة إلى الدبورة الأولى.. وكان الأهم من ذلك

بالنسبة له أنه حتى لم يعد يحتاج لشراء أية هدايا للصول "سعد" كما أوصاه الصول "جمال"..

فمن يعمل مع رئيس فرع الأمن مباشرة ما حاجته إذن للصول "سعد" أو غيره؟ وبإمكانه الآن استغلال المال الوفير الذي ادخره من جبايات المدرسة الجوية في إيجار شقة بعيداً عن أهله وقتما يريد.. 

فقد كره بيت عائلته وشارعه وحتى كره الجمالية كلها ويريد أن يعيش في حي راقي ككل من عرفهم في المدرسة الجوية.. فقد كان منهم من يسكن في مصر الجديدة والزمالك وقصر النيل وجاردن سيتي والمعادي والزيتون وكوبرى القبة .. ولا يوجد فيهم واحد فقط يسكن في محيط الجمالية أو

حي الموسكي أو أية منطقة شعبية أخرى.. وهو بالطبع ليس أقل منهم.. الآن سيحاول أن يجد شقة في مكان يليق بالضابط «عبد الفتاح» كما كان يحلم دائماً... كان وسط أفكاره يمشى بين جنبات الكلية بسرعة وهو يكاد يطير من على الأرض فرحاً... شعر أن الدنيا تقابله فاتحة ذراعيها ولولا خشيته من أن يتهم بالجنون كان قد فتح ذراعيه

وهو يسير وحده في طريقه إلى سكن الطلبة .. ظل ينظر لكل من حوله في السكن والحماس يتملكه للانقضاض على أول فريسة.. يراقب الجميع صامتاً وهو يتمنى أن يسمع ويرى منهم ما يفتح به تعامله مع الرائد " أشرف ....كان يتمنى في قرارة نفسه ألا تطول الفترة التي سيقدم بها مسوغات تعيينه في وظيفته الجديدة...


- وكان لازمته إيه تنكد عليه قبل ما يروح الكلية؟! نطقتها أمه باستنكار وهى تخاطب أباه في غرفتهما ليلاً..

عشان بسلامته بيتكبر عليا يقولي مافيش داعي تيحي تزورني في الكلية في فترة التدريب الأولى!.. مش كفايه منعك من زيارته في المدرسة؟ - معلش يا سيدي كله لمصلحته.. انت عارف إن أهالى أصحابه مستوياتهم عالية مش عاوزين خرجه ونضايقه ونزود همه .. كفاية عليه هم المذاكرة

- يعني عشان مصلحته يقولها لي قدام الناس في المحل؟ وعشان ما حرجهوش يحرجنا احنا؟ انتي اللي بوظتي أخلاقه.. قلتلك من زمان بلاش تدلعيه .. أهو عباره فلت وما بقاش يحترم حد.. حتى الراجل الكبير اللي اسمه الحاج "مصطفى الخشن" قاعد حني في الدكان وبيمد له إيده يسلم عليه راح مسلم عليه بطرف إيده!... هو عشان هايبقى ظابط ينسى أصله؟

- معلش يا حاج انت عارف إن "مصطفى الخشن" بيبقى شغال في ورشته طول النهار ومش بيغسل إيده كثير!

- نعم يا اختي؟! طيب ما طول عمره يسلم عليه .. ابنك نفسه كبرت وهو لسه تلميذ مفعوص في الحربية.. أمال لما يبقى ظابطها يعمل إيه؟ ها يبقى يضربنا بالنار ؟!.. بلاش

كلام فاضي

- معلش يا حاج دا لسه صغير وطايش بكرة يكبر ويعقل

- بكره؟! ابقي قابليني لو قعد لنا فيها.. دا شهرين ثلاثة وهتلاقيه شاف له شوفه بعيد عننا.. وبعدين من امتى وانتي مش فارق معاكي يبعد عنك شهر ونص .. مش هو دا اللي كنتي بتاخديه ينام في حضنك لحد ما خلص الإعدادية؟

دلوقتي بس ها تقدري على بعده عشان خاطر مصلحته؟ مافيش حد بوظ الواد ده غيرك.

- سيبه يركز بس في مستقبله عشان انت عارف إنه خايف يسقط وينفصل ووقتها هاتبقى احنا اللي ضيعنا مستقبله فعلاً...

مستقبل إيه؟ دا ما يكلمش حد من إخواته؟!.. دا مابقاش طايق عيشتنا

... دا بيستمر مننا.. أقوله أخوك هاييفي يزورك يقولي مافيش داعي.. ولما صممت إن أخوه يزوره يقولي لو لاقيته في الزيارة مش هاقابله.. طيب ما اخوه عنده بدلة جديدة ممكن يروح يزوره وهو لابسها .. لا الموضوع مش موضوع

لبس وهيئة.. دا شكله مش ناوي يعرفنا بعد ما يتخرج...

- لا يا حاج مش للدرجة دي.. انت مكبر الحكاية قوي.. طيب ما الخواجة "لطيف" مداوم على زيارته من أيام المدرسة وعمره ما رفض زيارته.. انت بس اللي مكبر الموضوع ... وهو لطيف دا أبوه والا اخوه؟ دا حيالله كان شغال معاه زمان

- ياراجل ما تبقاش زي القطط تأكل وتنكر .. مش "لطيف" ده برضو السبب في دخوله الثانوية الجوية ومنها عالحربية؟ وبعدين ما احنا بنطمن منه على ابننا

في كل مرة بيزوره فيها.. عاوزين إيه ثاني؟

غريبة ! نطمن على ابننا من الغريب ؟! انتى بتتكلمي إزاي يا ست انتي؟! - دلوقتي بقى غريب؟ نسيت وقفته مع ابنك من الابتدائية لحد دلوقت؟... نسيت إن ابنك ما كلفناش حاجة من يوم ما اشتغل معاه لحد دلوقت؟.. أه بمناسبة الفلوس.. انت اللي حبته لنفسك شكلك بتغلوش كالعادة علشان تهرب من دفع الإيراد بناع الأسبوع ده...

قبل أن تستطرد بجدية وهي تمد يدها له: - إيدك على إيراد الأسبوع ده

مد يده في جيبه وأخرج مبلغاً من المال.. وأعطاه لها على مضض وهو يغمغم:

يظهر إن مافيش فايدة.. نسوان عقلها دفتر .. اتفضلي ياست.. قالها وهو يبتسم بحيث بعد أن باءت كل محاولاته للتمويه على دفع الإيراد بالفشل.. فزوجته ومنذ إن ساعدته على تغيير نشاطه من تصنيع الأويما لتجارة العطارة .. لم تنس أبدأ اتفاقهم السرى بأن تكون هي حافظة أمواله الأولى والأخيرة.. هي من تدفع مصروف الزوجة الأولى وتتحكم فيما تشتريه وحتى فيما تطبخه.. 

هو عن نفسه لم يحدث أبداً أن حاول تغيير شروط العقد الشفوي بينهما.. فهي مثلت له وما زالت طوق النجاة الوحيد من براثن الإفلاس والفقر.. وكل ما تفعله بالتأكيد لمصلحته.. لذا فأمرها بالنسبة له ظل مسموعاً وواجب النفاذ ..

كان عنبر فرقة المستجدين في الكلية الحربية يغط في هدوء نام بعد أن تم إطفاء أنواره في التاسعة مساءً كالمعتاد.. أغلب الطلبة كانوا قد خلدوا للنوم مبكراً بـ بسبب استيقاظهم يومياً في الخامسة فجراً وإجهادهم طوال اليوم في التدريبات الشاقة كان هو قد وضع منشفة فوق رأسه تحميه من الضوء قبل إغلاقه.. 

واستمرت تغطى عينيه ورأسه حتى مع غلق إنارة العنبر. رغم أنه لم يكن قد دخل في النوم بعد.. وقتها تناهى إلى مسامعه صوت أقرب اثنين من الطلاب إلى سريره وهما يتحاوران بصوت منخفض..

"عادل".. انت نمت ياض؟

- لا لسه يا "منير".. عندي أرق وقلقان؟

- من إيه؟.. اوعى تكون لسه خايف من الحرب؟

حرب إيه يابني اللي هاخاف منها؟ بالعكس أنا خايف لا السادات يخاف كالعادة ويطلع بيهجص..

تفتكر مش ناوي يحارب؟

- شكله كده بيسوّف الأمور ومش ناوي على حرب ولا بلا أزرق...

وانت ها تفرق معاك إيه يا "عادل"؟ احنا لو الحرب قامت الفترة دي مش هنحارب عشان لسه بندرس..

ها تفرق كثير .. لو عبرنا وحررنا سينا هاييقى دم أخويا الكبير ما رحش هدر ...

- طيب مش لما يجهز للحرب الأول تبقى تحارب؟... كان يستمع الحوار زميليه وهو يضع منشفته على رأسه متصنعاً النوم ومن داخله كان يحفظ كل كلمة يسمعها عن ظهر قلب.. الآن فقط حصل على أهم مسوغات تعيينه في الوظيفة الجديدة.. وظيفة ضابط في الجيش.. بدون أي مجهود...

في صباح اليوم الثاني وبعد الطابور الأول بدقائق معدودة كان الطالبان "عادل" و"منير" مقيدين إلى بعضهما البعض في ركن بمكتب الرائد " أشرف الجمل " والدماء تسيل على وجهيهما وقد وضح تعرضهما لضرب مبرح.. بينما كان "الجمل" ينفث دخان سيجاره

في بطء وهو ينظر لهما باحتقار:

بقى انت وهو لسه بتاخدو مصروفكم وتتناقشوا في السياسة جوا الكلية ويتعدلوا على رئيس الجمهورية وبتنتقدوه..؟!

نطق عادل بشجاعة

- يا افندم الموضوع كان مجرد دردشة.. بنشوف إيه السيناريوهات اللي ممكن تحصل .... قاطعه "أشرف الجمل " بغضب وهو يقذفه بمنفضة السجائر :

انت بالذات تخرس خالص... أحسن أخليك تحصل أخوك الشهيد...


وبعدين سيناريوهات إيه ؟ انت ها تعمل لي فيها خبير حربي؟ لسه ما عداش عليكم أسبوعين في الكلية.. وها تعمل نفسك مدرس استراتيجيات؟

لو ربنا كرمكم وكملتوا معانا هاخليها تبقى آخر مرة حد فيكم يفتح بقه ويتكلم في السياسة من هنا لحد ما يطلع عالمعاش...

قاطعه زمين هاتفه فانشغل في الرد.. بينما همس "منير" في أذن صاحبه مستغلاً انشغال

الرائد "أشرف" في الرد على التليفون:

- لسه عاورنا تحارب؟

قالها بمرارة شديدة ما دفع عادل للرد عليه:

ما تخليش موقف صغير زي ده يصيبك بالإحباط.. هو مش غلطان...

هو بالنسبة لى ضابط شاطر و شایف شغله كويس!

- نعم شايف شغله كويس ؟!. . انت اللي بتقول كده؟!

طبعاً.. لإنه قدر في أول أسبوع يجند طالب مننا ينقل له احنا بنقول إيه.. تخيل في أول أسبوع ؟!.. يعني الرائد "أشرف" شاطر في شغله.. مش ظابط أمن

عاوزه يعمل إيه غير كده؟ الحق مش عليه...

- عندك حق.. أنا بقى الفضول ها يقتلني عشان أعرف مين ابن الحرام اللي نقل له كل اللي

قلناه بالمسطرة كده؟

- ما تشغلش بالك بالموضوع ده لأنك ممكن تتخرج وتخلص مدة خدمتك وتخرج معاش وما

توصلش للى نقل كلامنا...

قاطعهما صوت الرائد " أشرف الجمل" وهو يهتف فيهم بقوة:

انتباه

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحقات 

نشرت قناة الوثائقية فيلما تسجيليا بعنوان «حدث في 1973


وجاء الفيلم مصحوبا بتسجيل صوتي، جاء فيه: «8 أيام باتت تفصل مصر عن معركتها الكبرى لاستعادة الأرض من العدو، وفي ذلك اليوم أبرزت عناوين الصحف الاهتمام المصري والعربي بخطاب الرئيس السادات في الذكرى الثالثة لرحيل الرئيس جمال عبد الناصر».

أبرز مقالات الصحف في يوم 28 سبتمبر 1973

وأضاف: «محمد حسنين هيكل رئيس تحرير الأهرام، آنذاك، كتب في مقاله (بصراحة)، أنّ جمال عبد الناصر هو رمز لحركة التحرر الوطني، وفي الأخبار سلط موسى صبري، رئيس تحريرها الضوء على مناقشة طلبة جامعة عين شمس فكر عبد الناصر ومبادئ الثورة 23 من يوليو».

وأكمل: «تتابعت الصحف عن الاحتفالية التي تقيمها الجامعات والمحافظات والمؤسسات بمناسبة ذكرى وفاة الرئيس جمال عبدالناصر، لم تكن الذكرى وحدها، فقد تناولت أخبار الشأن المحلي ومن بينها قرار الدكتورة عائشة راتب وزيرة الشؤون الاجتماعية حينذاك الانتهاء من صرف الإعانات المقررة لأبناء المهجرين، ومنها أبناء محافظة القناة».
مطالبة يوغوسلافيا بمعاقبة إسرائيل
وواصل الفيلم: «وعلى الساحة الدولية ومن داخل الأمم المتحدة، طالب مندوب يوغوسلافيا بمعاقبة إسرائيل، وأعلن أنّ الحل الوحيد لأزمة الشرق الأوسط هو الانسحاب الكامل من الأراضي العربية، ولم تكترث إسرائيل بأي إدانات او مناشدات».


وكانت فضائية «الوثائقية» قد أذاعت مقطع فيديو يتناول أبرز الأحداث التي وقعت في 27 سبتمبر 1973، أي قبل 9 أيام من نصر أكتوبر وذلك في إطار احتفالات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، بالذكرى الخمسين لـ حرب أكتوبر المجيدة.

وكشف الفيديو أجواء ما قبل نصر أكتوبر بـ 9 أيام فقط، وقبل الضربة الجوية وملحمة العبور رفع العلم المصري فوق الضفة الشرقية لقناة السويس، حيث تحدثت الصحف المصرية عن جميع أمور الدولة إلا الجبهة التي بدت هادئة تماما، وجاءت أبرز الأخبار كالتالي:

كلمة هنري كيسنجر أمام مندوب الدول العربية في الأمم المتحدة

فردت الصحف المصرية تقارير مطولة لتصريحات وزير الخارجية الأمريكية الأسبق «هنري كيسنجر» وقتها أمام مندوب الدول العربية في الأمم المتحدة التي عبر فيها عن رؤية أمريكا لحل أزمة الشرق الأوسط والتي كانت كلماته تحمل نبرة يأس متعمدة من تعقد الأزمة قائلًا: "سنساعد قدر الإمكان ولكن لا ينبغي لأحد أن يتوقع المعجزات".

السياسة الصينية أبدت اهتماما عميقا بمصر والشرق الأوسط

كما غطت الصحف نتائج زيارة نائب رئيس الجمهورية حسين الشافعي وقتها إلى بعض الدول الآسيوية، لتكتب الأهرام أن القيادة السياسية الصينية أبدت اهتماما عميقا بمصر والشرق الأوسط خلال زيارة الشافعي.


الى اللقاء في الجزء العاشر 


المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: