#سلسة_كشف_الطرف_الثالث " الرئيس " "هـنـا الـقـاهــرة " الجزء الثاني 🦅

#سلسة_كشف_الطرف_الثالث " الرئيس " "هـنـا الـقـاهــرة " الجزء الثاني 🦅

 سلسلة كشف "الطرف الثالث" الرئيس " "هـنـا الـقـاهــرة " الجزء الثاني 🦅


محمد عنان - وفقا لمصدر أمنى

 

 منتصف يونيو 1970...

هنا القاهرة

ملأت الشمس حنيات الحارات والأزقة التي يعج بها هذا الحي الصاحب في قلب القاهرة القديمة، والذي يحتل مساحة كبيرة في قلب " الجمالية" ..

وبرغم احتوائه على أكثر من مائتي شارع وحارة وزقاق؛ إلا أنه كان يطلق عليه في أوساط

سكان القاهرة لقب "حارة اليهود"!

فقط حارة

كان يقطنها يهود مصريون منذ عقود طويلة...

صناع مهرة وتجار أمهر سكنوا ذلك الحي العتيق كأقلية دينية مسلمة تعايشت مع جيرانها بسلام ظاهر في العلن.. غير أنها كانت في السر تسعى دائماً وراء شراء بيوت جديدة بالحيلة والمحايلة.. وبيت وراء بيت وشارع وراء شارع امتدت حارتهم الصغيرة الضيقة لتصبح حياً

بأكمله...

  • ورويداً رويداً بدأ الحي تمتلئ بالنازحين إلى القاهرة من الديانات الأخرى.. مسلمين وأقباط وفدوا إلى الحي من القرى والمحافظات البعيدة طلباً لرزق القاهرة الواسع أو للعلم في رحاب أروقة الأزهر الشريف.. تصاهرت الأديان واختلطت الأنساب ومزجت قصص الحب أحياناً وحسابات المصالح في أحيان أخرى بين مسلم وقبطية أو يهودية ومسلم في أحيان كثيرة...كثيره

ومن الفتيات اليهوديات تركتهن عائلاتهن مسلمات متزوجات وهاجروا في فترة منتصف الخمسينات بعد فضيحة "لا فون" الشهيرة وغضب عبد الناصر على اليهود وتهجيرهم.. غير أنه بالمقابل فإن شباباً مسلمين ومسيحيين سافروا خلف يهوديات!.. ضحوا بظل بلادهم ودقتها من أجل الحب.. أو أشياء أخرى..

كان اليوم هو موعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية.. زغاريد حارة اليهود لم تنقطع منذ الصباح.. حابت الزغاريد منطقة "الخرنفش" كلها في مناسبة سنوية يعرفها الجميع ويستعدون لها.. وكان أول من يستعد لتلك المناسبة هو "لطيف" أو "الخواجة لطيف" كما يحلو للجميع

تسميته.. كان "لطيف" بقال حارة "البرقوقية" الشهيرة الخرنفش دائماً ما يملأ دكانه بزجاجات الشربات الفاخرة والشعبية في تلك المناسبات.. والتي كان ينتهى من بيعها كلها بنهاية اليوم محققاً من ورائها أرباحاً كبيرة نسبياً.. كان الخواجة "لطيف" قبطياً من عائلة جذورها ضاربة منذ نشأة الحى نفسه.. جاوز الخامسة والأربعين من عمره ومازال شعره البنتي كما هو لم يشب وحتى بوادر الصلع كانت غير بادية عليه

بدأ حياته عاملاً في نفس الدكان الذي يملكه الآن مع صاحبه الأصلي الخواجة "روبير" اليهودي.. أخلص في عمله مع "روبير" وكان بمثابة ساعده الأيمن وكاتم أسراره.. عاونه رويد" في الزواج من إحدى بنات كبرى العائلات القبطية في حي "الضاهر" قبل أن يتنازل له عن تجارته ودكانه ومخازنه كلها في أعقاب قرار اليهود في مصر بالهجرة منها بعد قضية التفجيرات الشهيرة التي أكدت التحقيقات أن مرتكبيها يهود مصريون كان هدفهم ضرب المصالح البريطانية والأمريكية في مصر لضرب العلاقة بينهم وبين مصر وإثارتهم ضد جمال عبد الناصر ونظامه الوليد وقتها...

ما إن اتحد "روبير" قراره بالفرار من مصر إلا وقد تنازل لساعده الأيمن "لطيف" عن كل ممتلكاته نظير كل المبلغ الذي ادخره "لطيف" وقتها.. ذلك المبلغ الذي كان لا يعتبر ذا قيمة لقاء ما سيحصل عليه من محلات روبير ومخازنه

  • ارتبط لطيف بعلاقات وأواصر متينة مع أبناء الحي كله.. كانوا يحبونه ويستمعون له دائماً فقد كان - بقراءته اليومية للصحف واستماعه الدائم إلى الإذاعات المختلفة عبر جهاز الراديو الحديث الذي يملكه - كان يمثل لهم منبراً مهماً للمعرفة والثقافة قل أن يوجد في أوساط

سكان الحى وقتها الحرفيين في أغلبهم..

كان "لطيف" يجلس في هذا الصباح أمام دكانه يقرأ الجريدة كالعادة ونظارته الطبية ترتكز على طرف أنفه.. بينما شرع عماله في تنظيم وتنسيق البضاعة ورش المياه أمام الدكان اتقاء الحر الصيف عندما لمح أحد الفتيان الذين يعملون معه في الإجازات الصيفية يتقدم نحوه

بخجل.

أهلا يا عبده.. ها؟ طمني.. عملت إيه؟

الحمد الله يا خواجة "لطيف".. نجحت.. لكن المجموع مش ولا بد.. باقي لي درجتين

على مجموع الثانوية الجوية!

طيب ونويت على إيه؟

مفيش حل غير مدرسة الصنايع يا عم لطيف

- لا.. اصبر شويه لما أشوفلك حد من معارفنا يجيب لك استثناء من الوزير..

صحيح يا عم "لطيف ؟ دا جميل مش هانساهولك طول العمر

طبعا يا «عبد الفتاح» مش أمنيتك من زمان تدخل العسكرية ؟ لازم أحقق لك أمنيتك.. بس على الله بقى لما تبقى ضابط كبير ما تنساش عمك "لطيف"...

كان «عبد الفتاح فتى في الخامسة عشرة من عمره وقتها وقد اعتاد على العمل مع الخواجة "لطيف" في إجازاته الصيفية.. ورغم أن أباه كان يمتلك ورشة كبيرة لتصنيع "الأويما" إلا أن كثرة أشقائه العاملين معه وصراعهم الدائم على الفوز بفرص العمل والنجاح وأسبقية التقرب من قلب الأب

وربما رتابة العمل نفسه وكره «عبد الفتاح» لطبيعة العمل في "الأويما" وجبه للمكسب السريع من صغره جعلاه يبتعد مبكراً عن العمل مع والده ويذهب للعمل في محل " لطيف" البقال.. وقتها كان الفتى "عبد الفتاح" قد أنهى لتوه دراسته في الشهادة الابتدائية وكان حلمه الوحيد كما رواه للخواجة "لطيف" هو شراء بدلة عسكرية تحمل ثلاثة نجوم على أكتافها ...

يا ترى بقى عاوز تطلع ضابط بوليس والا حربية يا " عبده ؟

- لا طبعاً ضابط حربية يا عم " لطيف"

طب المعنى بقى حربية؟

عشان هي اللي كلمتها مسموعة.. والرئيس جمال عبد الناصر كان ضابط حربية زي ما قال لنا مدرس التاريخ في المدرسة

الله .. الله.. كمان عاوز تبقى زي الرئيس عبد الناصر ؟ عاوز تبقى رئيس يا "عبده؟

- حلم يا عم لطيف.. حلم.. هو الحلم حرام؟!

- لا طبعاً من حقك تحلم يا "عبده"

- انت ليك عندي بعد أول أسبوع شغل تاخد ثمن بدلة اليوزباشي اللي نفسك فيها.. دارت تلك الذكريات في عقل «عبد الفتاح» وهو يرتدي مريلة العمل في محل "لطيف" وتمنى نفسه بنجاح الخواجة في الحصول على الاستثناء المطلوب لدخوله الثانوية الجوية.. كان حلم دخول الحربية يسيطر على كل أفكاره.. 

حكى لكل من يعرفه عن أمنيته تلك.. أفاض في الحكي لـ "لطيف" كثيراً وبرر له شغفه بتلك الأمنية وكيف أنها منتشله من الفقر والإفلاس الذي بات أقرب لعائلته كلها بعد أن بدأ يتراجع الطلب على فن "الأويما" وبدأت صناعة أبيه وحده في البوار..

هذا بالإضافة أصلاً إلى العدد الكبير لإخوته سواء الأشقاء أو غير الأشقاء والذين تضيع بينهم أية أرباح منتظرة من ورشة أبيه..

والآن لم يعد يفصل بينه وبين حلمه سوى ورقة توصية من أحد معارف "لطيف" ربما سيجاهد بعدها من أجل اجتياز اختبارات القبول الصعبة بالثانوية الجوية ولكن وقتها يحلها ربنا كما قال لنفسه.. 

أما الآن لم يعد أمامه سوى انتظار تنفيذ " الخواجة "لطيف" لوعده له...

وها هو يعد الثواني والدقائق والساعات انتظاراً لتنفيذ ذلك الوعد

كان قد بني كل مسار حياته على دخول الثانوية الجوية

ولن يستطيع تخيل حياته بدون تحقيق ذلك...

توضيحات جانبية 

  • حارة اليهود هو حي موجود بالقرب من شارع الموسكي في القاهرة وحاليا يتبع لحي الجمالية. وحارة اليهود ليست حارة صغيرة كما يوحي اسمها لكنها حي كامل يضم حوالي 360 زقاق وحارة. وكان الحي منقسم بطريقه على شياختين، واحدة لليهود الربانيين والأخرى لليهود القرائين.

اشتهر هذا الحي بساكنيه اليهود، ولكنه الآن يخلو منهم بعد ان هاجر أغلبهم إلى إسرائيل. وكان في الحارة 13 معبدًا يهوديًا لم يتبقى منهم غير ثلاثة هما "معبد موسى بن ميمون" و"معبد أبو حاييم كابوسى" في درب نصير و"معبد بار يوحاى" في شارع السقالبة ولم يسكن الحي فقط اليهود ولكن كان يسكنه أيضا عدد كبير من المسلمين والمسيحيين .

  • ويحد حارة اليهود من الناحية الشرقية حارة البرقوقية بالجمالية حيث مسقط رأس عبد الفتاح السيسي، ومازال يوجد البيت رقم 7 الذي ولد وعاش فيه يتكون البيت رقم 7 بشارع البرقوقية من 5 طوابق وفى الرابع كان بيته


المقال السابق
المقال التالي

الحياه تجارب والسياسة رجاسة والقادم بقراءة التاريخ يستكشف لنا المستقبل

0 Comments: