سلسة كشف الطرف الثالث الرئيس" الــثــورة "الجزء الثامن عشر 🦅 |
محمد عنان - وفقا لمصدر أمنى
Follow @3nan_ma
الفصل الثامن عشر الثورة
في اليوم التالي لتوليه رئاسة المخابرات الحربية لم يشأ أن يضيع دقيقة واحدة... أجرى اتصالاً بمدير إدارة الشئون المعنوية طالباً منه أسماء كل الإعلاميين المتعاونين مع الجيش وقائمة أخرى بالمرشحين للتعاون أو الذين لن يمانعوا في التعاون وقائمة ثالثة بأسماء يرفضون التعاون ورابعة بأسماء البرامج الحوارية السياسية التي تناقش مشاكل البلد وتوقيتات إذاعتها وأسماء مقدميها ودرجة تعاونهم... تعمل الطلب وقبل أن تمر أربع وعشرون ساعة
كانت لديه القوائم التي طلبها كاملة...
كانت مصر وقتها قد بدأت تظهر عليها أعراض ثورة قادمة.. الشعب بدا يتقيأ وعود الرئيس في التغيير.. لم يعد يستسيغها أو يصدقها.. فقد كبر الرجل وناهز الثالثة والثمانين ولم يعد يستطيع الحسم أو البت في بعض الأمور..
بدا واضحاً لأحد المتابعين أن زوجته وابنه الأصغر يديران كافة الملفات تقريباً.. تشكلت معالم الجمهورية الملكية وأصبحت لا تخطئها عين كما روج الكثير .. سوزان مبارك تسرع في ملف تمكين ابنها الأصغر من وراثة حكم أبيه.. بدت خطواتها نحو ذلك ظاهرة حتى لتلاميذ للمدارس الإعدادية!.. اشتدت حملات تلميع الوريث في الصحف والتليفزيون.. لقاءات. الوريث الشاب تمتد لساعات كاملة .. دعاية الحزب الذي يترأس مع أحد أكبر أنجاله تملأ أعمدة الإعلانات تبشر المطحونين من الناس بفكر جديد يحقق لهم الرخاء والبحبوحة الاقتصادية..
- وتطمين ديناصورات الرأسمالية المتوحشة على أموالهم واستمرار استثماراتهم واستقرار أعمالهم وتدفق أرباحهم.. لذا فقد دعموه وساندوه بأموالهم وهداياهم ووسائل إعلامهم.. جوالاته التفقدية للقرى الفقيرة يتم بثها في النشرات الرسمية.. زياراته الى واشنطن تكررت لتقديم نفسه للبيت الأبيض كحاكم فعلي ينتظر فقط صكوك الغفران من بابا المكتب البيضاوي... وبالإضافة إلى الآلة الإعلامية الهادرة كانت هناك آلة قمع تعمل معه على قدم وساق.. كان الداخلية ": "حبيب العادلي" قد صار اسمه يشيع الرعب في أقوى الرجال.. باتت الأوصال ترتجف من سماع صوته..
ولم لا وقد شعر الرجل ومن حوله بأنه مخلد في المنصب لن يخرج منه إلا إلى القبر! فقد مضى على الرجل في منصبه أكثر من ثلاثة عشر عاماً دخل بها التاريخ كأطول وزير داخلية منذ نشأة الوزارة نفسها..
المدة الطويلة جعلت الرجل يتوسع في وسائل قمعه للشعب.. وصل به الصلف والغرور أن يتبجح ويعلن على الملأ بأنه يراقب الجميع وعلى من يخاف ألا يتكلم!
وبات ظاهراً أن وزير الداخلية سيكون ركناً ركيناً في تمرير توريث الحكم لجمال مبارك.. كما زعم الكثير من المعارضة
فلم يكن يتوانى عن قمع أية تظاهرة ضد توريث الحكم.. وخطف واعتقال منظميها... وعلى الجانب الآخر بدأت حركات التغيير تموج في الشارع وتزيد.. ما إن يقمع وزير الداخلية واحدة حتى يتم الإعداد لأخرى وثالثة...
وما إن أعلن "محمد البرادعى" عن عودته لمصر بعد انتهاء عمله كرئيس للوكالة الدولية للطاقة الذرية حتى طالبته قوى كثيرة بتحمل مسئولية التغيير ..
وكان أن أسس الجمعية الوطنية للتغيير التي انضمت لها فئات كثيرة كان أهمها جماعة الإخوان المسلمون الذين ساعدوه في جمع توكيلاته عن طريق مكاتبهم الإدارية المنتشرة بطول البلاد وعرضها وقدرتهم الهائلة على الحشد.. كان كل شبر في مصر تقريباً يطلق صرخات للمخاض إيذاناً بميلاد ثورة شعبية نظمها وحشد لها الإعلام البديل على مواقع التواصل الاجتماعي...
كانت الأجهزة الأمنية وقتها في مصر قد زاد عددها وتنوعت وتشعبت وتوحشت إلى الحد الذي كان يُحدث في كثير من الأحيان تضارياً في الخطاب الإعلامي الذي يود بعضهم تحريره إلى المحسوبين عليهم في كافة المنابر الإعلامية!...
فبينما عمد جهاز أمن الدولة إلى الظهور كلصيق للوريث المنتظر وتماهى معه جهاز المخابرات العامة غصباً أو بحكم العشرة والجمايل بين مبارك وعمر سليمان..
بدا أن هناك في الجيش من لا يريد أن يسير في نفس الطريق.. فكيف سيقبل مليارديرات المجلس العسكري أن يحكمهم شاب كل مؤهلاته العمل كموظف في أحد بنوك الغرب.. قادماً إلى سدة السلطة بمجموعته التي يتشكل قوامها من رجال
الأعمال الذين لا شك سينالون النصيب الأوفر من المشاريع والأراضي التي يديرها الجيش.
كان يجب أن يتم ترتيب الأمور سرا حتى تستمر سيطرة بارونات العسكريين على الأراضي والمزارع والمصانع وصفقات السلاح التي ربما يجد الوريث في رفاقه رجال الأعمال من يستطيع توفيرها بأسعار أرخص وعمولات أقل ووقتها لن يستطيع أحد إيقافه..
لذا فكان يجب التخطيط لتلك اللحظة.. التماهي معها.. إظهار حسن النوايا للجميع.. محاباة الرئيس ونجله في العلن.. ورميهم في السر بغير رام...
كان هاتفه المرتبط بالأقمار الصناعية يرن رنيناً متواصلاً معلناً عن متحدث عبر البحار! اري أحوالك جنرال سيسي؟ بخير جنرال "بن ميرزا .. إيه اللي خلاك تغامر وتكلمني على التليفون اللي اهديتهولي في آخر اجتماع ؟!
اسمعني كويس.. كل تقديراتنا وتقديرات الأمريكان بتقول إن في ثورة قوية في الشارع المصري في القريب العاجل وغالباً ما تطيح بمبارك نفسه!..
الفترة اللي جاية حساسة في مشوارك اللي كلمتك عنه... على قد ما تقدر تنهي أي مصالح بينك وبين أي حد من نظام مبارك .. ما تقابلش حد من السياسيين أو الإعلاميين المحسوبين عليه.. اظهر حيادك دايماً..
اوعى تميل لأي طرف.. باستثناء وزيرك العجوز ...
اتسعت عيناه بشدة وهو يسأله بدهشة:
إزاي الكلام ده؟ يعني إيه ؟!...
جاءه صوت "يوسف بن ميرزا حاسماً:
- مافيش وقت لأي تساؤلات من أي نوع.. اسمعنى كويس.. الشباب اللي نشرتهم في الزمالك عند "لطيف" وفي كل الأماكن الثانية بلغهم إنهم كفاية لحد كدة مدح في النظام ومشروعاته و يبدأوا يتكلموا عن أساليب النظام في قمع التظاهرات..
دا هايكون السبب الوحيد اللي يقدروا يستمروا بيه في أي مرحلة جديدة.. غير كده دورهم هاينتهي بدري ومافيش وقت حالياً لإعداد غيرهم.. وهما بالطبع عناصر مساعدة لمستقبلك وغيابهم ممكن يأثر عليك ولو بشكل بسيط ...
استمر "بن ميرزا" في حديثه الآمر معه و المغلف بصيغة النصح والإرشاد قرابة عشر دقائق قبل أن يودعه مطمئناً إياه على أن كل شيء سيكون على ما يرام إذا اتبع نصائحه ونقلها فوراً.. أكد عليه أيضاً على ضرورة الحفاظ على الوقت الذي تمر بسرعة وأن ضياع ساعة واحدة دون عمل شيء فيها ربما يعني الكثير في خضم ما يحدث على الساحة..
أومأ برأسه إيجاباً قبل أن يغلق هاتفه الخاص ويسرح مفكراً في كل ما سمعه للتو.. هل سيرحل مبارك بالفعل؟!.. هو يثق بشدة في كل ما يقوله "بن ميرزا" وهذه المرة يتفق معه الأمريكان أيضاً !...
-
إن كان كذلك فالأمر جد خطير.. ومستقبله بات على المحك...
إيه تقييمك للأمور ؟
قالها وزير الدفاع العجوز لرحله الأول ومدير مخابراته عله يجد لديه ما يريح أعصابه المتوترة من كثرة تسارع الأحداث وتصارع الجميع من حوله على الكعكة.
والله يا افندم الأمور متسارعة واحنا مافيش قدامنا غير الصبر وسماع كل الأطراف... خليهم كلهم يخبطوا في بعض ونكون احنا دائماً الصدر الحنين..
يعني إيه؟ حد منهم طلب يتكلم معاك في حاجة؟ لا یا افندم مش هانستنى لما يطلبوا .. أنا أرسلت في طلب بعض الوجوه الإعلامية المحايدة نسبياً في مسألة التوريث هاسمع منهم واشوف توجهاتهم إيه الأول وهانوجههم لمصلحتنا على قد ما نقدر
-
أيوه.. لكن طبعاً مش عاوزك تظهر لهم إن الجيش ضد اللي بيحصل بصورة كبيرة. ولا بصورة أقل.. ها تقولهم نفسوا عن الناس لكن في نفس الوقت تقدر تمدهم بمعلومات كتير تخلي تنفيسهم حجمه يزيد رغماً عنهم!
التعامل مع الناس دي في توقيت زي ده وفى وجود "جمال" وأمه وشلتهم محتاج حاوي يلعب بالبيضة والحجر
رد بخيلاء وابتسامة شيطانية تعلو ملامح وجهه
كانك تقصدني بالضبط يا افندم....
أكيد طبعاً.. انت عارف إن ثقتي فيك مالهاش حدود.. لكن مش ها وصيك بقى تحافظ على سرية الأمر ..
مش عاوز حبيب العادلى ورجالته أو عمر سليمان ورجالته ياخدوا خير
أكيد يا افندم
لم يكد نهار هذا اليوم البارد ينتصف حتى نزل ذلك الإعلامي النحيف من باب بيته متدثراً بكوفية ثقيلة تقى حنجرته شر البرد الذي كان دائماً يقسم لكل من حوله أنه الوحيد القادر البوح بمشاكل الناس وأخطاء الحكومه الكلام وإيقاف حنجرته الهادرة عن على منعه من ورئيس وزرائها..
وقبل أن يغلق باب سيارته عليه فوجىء بشخصين في ثياب مدنية يمنعان
غلقه للباب ويسألاه بود شديد:
ممكن تبحي معانا؟
بددت نبرة الود في سؤالهما أي خوف لديه ولكنه سألهما بقلق:
فين؟
ما تقلقش احنا أصدقاء من الجيش وعاوزينك في أمر مهم
رد متسائلاً بقلق:
ممكن أجي بعربيتي؟
مافيش مشكلة.. خليك ورانا
تابعهما بسيارته في المسار الذي اتخذوه ليصل وراءهم بالفعل إلى أحد المباني العسكرية في شرق القاهرة..
أتموا إجراءات دخوله في سرعة وهدوء تامين قبل أن يجد نفسه وجهاً لوجه مع خمسة من أقطاب الصحافة والقنوات الإعلامية متحلقين حول طاولة اجتماعات متوسطة الحجم.. كان جميعهم من المشهور عنهم حيادهم تجاه النظام الحاكم أو ميلهم البسيط لمعارضته.. كانت وجوههم يعلوها القلق الواضح.. أما أحدثهم وأصغرهم سناً فكان يتصبب عرقاً رغم برودة الجو الشديدة في هذا الوقت من العام..
حياهم جميعاً بأسمائهم ولم تمر دقيقة أخرى حتى دلف من باب آخر لمقر الاجتماع رجل عسكري تحمل أكتافه نسر وسيفين متقاطعين
بادرهم بعبارة ودية
طبعاً أنا ما ينفعش أرحب بيكم في مكانكم.. صحيح.. انتم أصحاب المكان..
اسمحوا لي أعرفكم بنفسي أنا اللواء عبد الفتاح السيسي مدير المخابرات الحربية همهم الجميع في رهبة مرددين تحيته..
وقبل أن يسألوه عن سبب وجودهم كان قد بدأ يتني على دورهم الوطني الكبير في توجيه ولملمة شتات الشارع السياسي..
حدثهم عن مؤسسة الجيش كحصن حصين لمصر في وقت الأزمات.. حكى لهم عن المؤامرات الضخمة التي تحاك المصر في السر والعلن.. ذكرهم بما حدث في تونس قبل أيام..
ناقشوه في خطايا الحكومة وقمعها للمعارضين الذي يغل أيديهم في أغلب الأحيان عن الحديث عن أي إنجازات... استمر اجتماعهم قرابة الثلاث ساعات...
والأهم أن الجميع أقسموا بين أنفسهم أنهم لم يعرفوا هدف الرجل من الاجتماع وطلباته غير واضحة المعالم..
فعلى الرغم من أنه بدأ حديثه بعبارات أسرة لضيوفه ورغم الابتسامة التي لم تفارق وجه إلا أن أغلب عباراته بعد ذلك لم تكن مكتملة..
طلباته كلها مبتورة مقطوعة النهايات لا يفهم منها شيء.. ظهر كمن يستحي من ضيوفه.. لم يطلب منهم أي شيء محدد. فقط استمع لهم وللعقبات التي تقف في طريقهم.. استمع لهم أكثر مما تحدث معهم...
أنا مش فاهم حاجة.. هو كان باعت لنا ليه؟!
همس بما أحدثهم وهو يميل على أذن الإعلامي النحيف أثناء خروجهم من المبنى عله يجد
لديه إجابة لتساؤلاته.. فرد عليه بحيرة:
أنا كمان مش قادر أحدد السبب..
أما هو فكان قد حقق هدفه من الاجتماع بهم..
بعد أن استمع لهم جميعاً عرف كيف يفكر كل منهم.. تواعد معهم على لقاء دوري كل شهر تقريباً.. أفهمهم أنه صديق وفي للإعلام يستطيعون اللجوء إليه في أحلك اللحظات.. كان أذكى من أن يطلب منهم في أول لقاء
شيئاً محدداً حتى لو تطوع به أحدهم...
وقد كان كل هذا يكفيه الآن...
رفع هروب الديكتاتور التونسي "زين العابدين بن علي" ونجاح الثورة الشعبية ضده من طموح الشباب المصري التواق للحرية فكان أن زادوا من حشدهم على صفحات التواصل الاجتماعي للخروج في مظاهرات ضد القمع الأمني الشديد.. ولم لا فقد كان نظام "بن علي" ريب المخابرات الأمريكية وصديق فرنسا المقرب من أشرس الأنظمة البوليسية في الشرق الأوسط وسقوطه بهذه السهولة رغم دعم قوتين عظميين له كان يعني بالنسبة للثوار
المصريين أمراً واحداً... "نعم.. نحن أيضاً تستطيع.. "
وكان أن كثرت الحشود في اليوم الأول للثورة واستطاع رجال العادلي تفريق المتظاهرين في ميدان التحرير بعد منتصف الليل.. واعتقلوا بعضهم..
بيد أن الشباب تواعدوا وحشدوا مرة أخرى لجمعة غضب تخرج من كل المساجد يقودها الإصلاحيون من قيادات الإخوان المسلمون) مستثمرين إجازة الجمعة وصلاتها الجامعة الحاشدة في إيصال رسالة للعالم مفادها أن مصر على خطى تونس... قبل عصر جمعة الغضب كان جهاز الداخلية ومعه عدد ضخم من البلطجية عتيدي الإجرام قد بدأ يفقد القدرة على المقاومة بعد أن احتل الثوار الميدان..
وارتفع سقف المطالب في الهتاف وقتها مطالبين بسقوط النظام بالكامل
كان الخيار قوات الداخلية وقتها فرصة كبيرة لوزير الدفاع...
البلد بتنهار ولازم ننزل
قالها لرئيسه الثمانيني الذي لم يتردد لحظة وأوماً برأسه بسرعة لعل الجيش يصبح ملاذه الأخير للحفاظ على ما تبقى من ملكه...
وقتها توارت كل الوجوه الكبرى أمنياً واختفت كل مراكز القوى السياسية ليظهر طنطاوي ورجاله فقط في التليفزيون وفي الشارع...
تسارعت بعدها الأحداث وفرض اعتصام الثوار وصمودهم في الميدان نفسه على الجميع.. بدا واضحاً أن الجيش في طريقه للتضحية بالرجل الكبير إرضاء للثوار !
لم تشفع لمبارك حملة الإقالات التي قام بها في صفوف حزبه الفاسد.. ولا الوجوه الحزبية الجديدة التي قام بتعيينها.. فالشارع مازال يضغط والسفيرة الأمريكية تهاتفه كل ساعة والجيش يطرق أبوابه متعجلاً...
الجيش.. آه من الجيش.. هو يدرك تماماً قوة الجيش بعد فناء ملكه.. الآن أصبح الجيش خارج سيطرته... باتوا يعدون عليه أنفاسه.. ورغم أنهم صنيعته إلا أن الأمر قد وصل لمرحلة:"نحن... أو هو وابنه وحاشيته".
استشعر الخطر القادم من الجيش فرمى بآخر أوراقه..
كانت ضربة مزدوجة من الثعلب الثمانيني.. فقد ظن أنه من ناحية يستطيع تحدثة الشارع هذا القرار ومن ناحية أخرى فالرجل يدرك بحكم خبرته الخلاف الدائم بين مدير جهاز مخابراته وبين وزير دفاعه..
إذا هي خطوة لإحداث توازن بين القوى يحاول بها الحفاظ على ما تبقى مما يملكه كرئيس... لكن الشارع وقتها كان أكثر إدراكاً للأحداث منهم . جميعاً وأسرع منهم خطى.. فقد رفض الثوار القرار أيضاً ليضع طنطاوي باجتماعه منفرداً مع قيادات المجلس العسكري وبدون مبارك نهاية الحكم الرجل..
...
اتفضل يا سيدي.. قيادات الإخوان بيستغلوا حشودهم الكبيرة في الميادين وبيطالبوا بخروج المعتقلين بتوعهم.. ومش كده بس.. باقي الجهاديين عاموا على عومهم وبيطالبوا الخروج مجموعة الزمر !
قالها طنطاوي بغضب وهو يلقي بإحدى الصحف اليومية أمام مدير مخابراته الذي ابتسم بخبث وهو يُهدى من روعه قائلاً:
وإيه المشكلة يا افندم نخرجهم
نعم؟! نخرجهم؟!
اهدى بس
يا افندم.. ها نخرجهم ونقول إن خروجهم كان بفعل ضغط الإخوان.. واهو الشارع يرجع تاني يدوق طعم التفجيرات على حس خروجهم.. ويتهم فيها الإخوان..
احنا ها نقلق ليه؟.. دباباتنا في الشارع وسيطرتنا شبه تامة.. أي عضمه يطلبوها نرميها لهم بدأ الهدوء يتسرب رويداً لنبرة المشير وهو يردد كمن يحدث نفسه:
طيب يفجروا ليه لو كانوا ها يشعروا إن الفصيل الأقرب لهم ها يتولى السلطة بفعل العدد عالأرض؟!
يا افندم ها يفجروا حتى لو من باب استعراض القوة .. ولو ما فجروش رجالتنا جاهزين يفجروا والتهم عارفة صاحبها والإعلام شاهد
رفع المشير حاجبيه من فرط الدهشة وهو ينظر إليه بإعجاب:
انت إبليس يا سيسي..
تلميذك النجيب يا افندم
تلميذي فعلاً.. لكن كثير قوي التلميذ بيتغلب على أستاذه
كله بفضل توجيهاتك يا افندم
- اسمع بقى مش هاينفع نظام التعامل مع الناس دي بالقطعة.. أنا عاوز خطة طويلة الأجل يتم تنفيذها في حال اضطرينا لإجراء انتخابات رئاسية زي ما وعدنا الأمريكان أيوه لكن الإخوان بالذات بيناوروا وبيلعبوا سياسة فا مش عارفين لو أجهضنا حلمهم في الترشح للرئاسة ممكن تبقى خطوتهم الثانية إيه؟
اعمل سيناريوهات بديلة يا أخى وتوقع كل ردود أفعالهم أنا اللي ها عرفك شغلك؟! كل ما في الحسبان يا افندم... قريب جداً ها عرض على حضرتك مجموعة من الخطط البديلة للتعامل مع الإخوان في المرحلة اللي جاية
-وباقي القوى اللي بتقول على نفسها ثورية.. عامل إيه معاهم؟ ثورية إيه يا افندم سيادتك عارف إنهم كلهم لو فكروا حتى يتجمعوا مش ها يقدروا يوصلوا للسلطة بالصندوق.. الخطر الوحيد في الإخوان لإنهم القوة الوحيدة اللي تقدر.
والله كلامك بيقول إنك مطمئن.. يعني وحدت وسيلة للقضاء عليهم فعلاً .. اصبر يا افندم.. التعجل مش في مصلحتنا.. أنا بألاعيبهم زي ما سيادتك بتشوف يوم بيوم واجتماع باجتماع.
ماشي يا سيدي... أدينا صابرين
قالها المشير وهو يومئ برأسه في بطء وقد زاد اطمئناناً بعد حديثه مع أخلص رجاله إليه
كانت جماعة الاخوان المسلمون قد استطاعت الدوران حول قرار لجنة الانتخابات الرئاسية باستبعاد خيرت الشاطر من الترشح للرئاسة وأمرت رجالها في كل مكان بالدعاية لمرشحهم الاحتياطي الدكتور "محمد مرسي" والذي يُغدّ أحد العقول النائمة في صفوف الجماعة...
كسبت الجماعة جولة سياسية ولا شك عندما قدمت مرشحين اثنين منها لتتفادي الاعيب المجلس العسكري الحاكم..
ولأنها القوة المدنية الوحيدة القادرة على الحشد والوصول للسلطة بالصندوق فقد وصل الرجل بالفعل إلى سدة السلطة..
بعدما أجبرت الحشود اليومية في كل ميادين مصر قضاة بلجنة الانتخابات على الانصياع للحق رغماً عنهم وإعلان فوزه بالرئاسة ولو بفارق ضئيل عن منافسه أحمد شفيق..
إلا أن النتيجة قد تأخرت أسبوعاً كاملاً عن موعد فرز آخر صندوق...
وقتها كان طنطاوى والسيسي وباقي أعضاء المجلس العسكرى يحاولون لملمة شتائهم ونزع سلطات منصب الرئيس لتسليمه للإخوان بصلاحيات منقوصة.. كان مدير المخابرات الحربية وقتها هو مهندس تلك القرارات القذرة.. كان هو من يُسدي النصح والإرشاد دوماً لرئيس المجلس العسكري وكانت كلمته مسموعة لدى المشير رغم كونه أصغر وأحدث المنضمين العضوية المجلس العسكري إلا أن الجميع كان يخشاه بسبب التصاقه بالمشير أو التصاق المشير به !
ولـ إسرائيل كانت الأمور قد تأزمت أكثر بوصول رئيس إسلامي للحكم في مصر كانت الأعوام الطويلة من السلام والتعاون المشترك في طريقها للزوال وسيحل محلها بلا شك أصوات طبول الحرب المنتظرة وهو ما يعني تعبئة عامة لجيش الدفاع واستعدادات وجهوزية
مستمرة بلا توقف ما يعني أن الخزانه العامة ستصرخ ومعها رجل الشارع الأمن...
كان هذا هو السبب الرئيسي في الاجتماع الطارئ، الذي عقدته مجموعة حكماء صهيون الجدد بمشاركة الجنرال يوسف بن میرزا مدیر جهاز الموساد الذي كان يبدو عليه الهدوء الشديد المتناقض مع حالة التوتر التي تبدو على كل الحكماء.....
وما إن استقرت بهم الجلسة حتى هتف كبيرهم في "يوسف":
أدون "ميرزا" هل لديك تفسير لما حدث وما أدى لتفاقم الأوضاع بهذه الطريقة؟!
ابتسم "بن ميرزا" في هدوء وثقة وهو يرد:
سيدي.. كل ما حدث كان متوقعاً.. وهو في الحسبان وجاري التعامل معه بدقة
صرخ به أصغرهم سناً في استنكار:
ماذا؟! ما الذي كان متوقعاً أدون ميرزا ؟! هل توقع خبراؤك وصول رئيس إسلامي لقمة هرم السلطة على حدودنا الجنوبية؟!
سيدي... قلت لك إن كل شيء كان متوقعاً.. نعم توقعنا وصول رئيس إسلامي ومن رحم جماعة الإخوان نفسها فهي الوحيدة القادرة على الوصول بأي مرشح إلى منصة التتويج.. أرقامنا وتقاريرنا كلها أكدت مبكراً جداً فوز محمد مرسي" ومن قبل وصوله بشهر ونحن نضع خططاً لإفشاله بمعاونة رجالنا في الجيش المصري..
ومتى سيحدث هذا الفشل يا سيد ميرزا ؟.. عندما يُلقي بنا الإسلاميون طعاماً لكلاب شوارع القاهرة الضالة؟ كان بإمكانك أن تمنع كل هذا في مهده.. لا أن تنتظر حدوثه وتبدأ
في البحث عن خطط بديلة لإفشاله عندما يحدث!
هدئ من روعك يا سيدي... فمجريات الأحداث كما تعلمون جميعاً كانت أسرع من أن نقف في وجهها وإلا كان أغلب رجالنا هناك سيتعرضون للاعتقال....
ثم إن الأمر لن يستغرق أكثر من عام بحسب تقديراتنا.. عام واحد.. هذا وعد...
لا أعلم ما الذي يجعلك تبدو واثقاً هكذا؟! رجلنا هناك يا سيدي على وشك تولي أرفع . منصب عسكري في البلاد.. وأي خطوة متسرعة في اتجاه آخر ربما تقضي على المشروع الذي تعلمون جميعاً كم أفنيت من عمري
رد كبيرهم بنبرة هادئة:
ولكن عام فترة طويلة والرجل ربما يُعلن الحرب علينا بين ساعة وأخرى...
اطمئن يا سيدي فالرجل لم يبدأ بعد في التعرف على أوراق اللعبة ليبدأ بعدها في إعادة ترتيبها ..
فالشارع هناك يضغط والمطالب في كل بين والاقتصاد يئن تحت وطأة المظاهرات الفئوية... لن يجد لديه الوقت الكافي للنظر إلينا قبل أن نكون قد نفذنا مخططنا.. ومبدئياً
قمنا بالتنسيق بين رجلنا هناك وبين "دحلان" وفى خلال أيام نبدأ تنفيذ مخططنا لإيصال رجلنا إلى منصب وزير الدفاع وبعده مباشرة البدء في تنفيذ مخطط إفشال "محمد مرسي"... وهل يمكنك أن تطلعنا على أية تفاصيل أخرى بشأن خطتك؟
بكل سرور يا سيدي..
قالها "بن ميرزا" وشرع في بسط خريطة أمامهم تتناول الحدود الجنوبية وخط التماس بين مصر
وإسرائيل..
وبدأ في شرح الأمر لهم بهدوء...
وقتها كانت نظرات الدهشة والإعجاب تكاد تقفز من عيونهم وهم يستمعون إلى شرح
مخططه
فقد كان مخططاً شيطانياً يحق...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تعليقا على بداية المطروح من خدعة التوريث لنشر الفوضي
تدوينات هامة للمراجعة
الى اللقاء فى الجزء التاسع عشر والأخير
0 Comments: